IMLebanon

عندما ينقلب الفساد إلى وجهة نظر!

 

لئن كان الفساد، تهمة حقيقية وواقعية منتشرة في شتى مواقع السلطة والتسلط، فإن ما نلحظه في المشهد السياسي القائم في هذه الأيام، تلك المحاولات الحثيثة التي يقوم بها كل من تطاولهم تهمة الفساد والإفساد، للتنصل من وقائعها المتداولة بين جموع الناس المنتفضة على حالة التراجع الإقتصادي والمالي والمعيشي والإجتماعي التي ألهبت الواقع الشعبي الغاطس بكل وجوده وإمكاناته وطموحاته في مهاوي الإنهيار العام الذي أدى إلى هذه الثورة- الإنتفاضة غير المسبوقة بنوعيتها وحجمها وشموليتها واستمراريتها وتنوع أساليبها، بدءا من «السلمية»، وصولا إلى قطع الطرقات ومحاصرة الأماكن العامة التي تطاولها المآخذ والتهم. ويبدو أن مفاهيم منوعة على ذوق وتقدير الشخص أو الجهة المتهمة بها.

 

هناك من يحصرها في أشخاص جنوا عن طريق السمسرة والتحايل على المال العام توطئة لاقتناصه مالا حراما وإيداعه في الجيوب والمصارف الداخلية والخارجية، وهناك من يعتبر أن التحايل على الإلتزامات الجمركية والضرائبية وأعمال التهريب عن طريق الممرات الحدودية أمرا حلالا إذا ما ربطته بنشاطاتها الإيديولوجية، وبرّرته بغايات جهادية، لئن كان بعضها معقولا ومقبولا في إطار المواجهة الفعلية مع إسرائيل، الأمر الذي كان قائما فعليا في مراحل زمنية سابقة، وأصبح في هذه الأيام منتشرا في أقاصي المنطقة بدءا من اليمن مرورا بالعراق وسوريا ووصولا إلى لبنان وشواطيء المتوسط.

 

هذا النوع من وضْعِ اليد على المال العام مطوقا يبقى فعليا بشتى أنواع الغلافات التبريرية والتجميلية، ومتجاوزا بحصر الفساد في وضع يد الآخرين عليه وعلى فرصه ومواقع السرقة والنهب المتغلغل في أعماق المؤسسات ومناجم الثروة مختلفة الأشكال والأنواع. مؤكدين على الإبداع اللبناني الذي خلقه الشذوذ السلطوي وفتح أبواب المسالك والمسارب، ولم يجد اللبنانيون له دواء يؤدي إلى الصحة والسلامة الوطنية والإقتصادية والمعيشية إلاّ من خلال تلك الثورة- الإنتفاضة إلتي خلقت نفسها فجأة في أجواء هذا الوطن، مغيرة في سحنته وطبيعته وتوجهاته، وخالقة له وفيه تلك القوة البديلة التي بات يحسب لها ألف حساب، والتي جعلت من الأحزاب والميليشيات والفئات الفاسدة والمفسدة توقف تحدياتها واقتحاماتها الوقحة، مكتفية حتى الآن، بالصمت تارة وبالكلام الخطابي تارة وبعينات من الاقتحامات التحذيرية أدت بالنتيجة إلى استقالة رئيس الحكومة ، وإلى الدفع بالقوة المعادية للثورة والإنتفاضة إلى مواقع الدفاع والضياع والتحسب من ارتكاب أخطاء جسيمة من خلال مواجهة تلك الثورة – الإنتفاضة التي أطبقت على الحياة اللبنانية والتصرفات الشاذة ومواقع الخلل دون أن تكون على البال ولا على الخاطر، سواء لدى الطبقة الحاكمة أم لدى الشعب اللبناني نفسه، فكانت صاعقة على مدارك المسؤولين وخيرا وبركة على شعب طال انتظاره لمثل هذه السانحة التاريخية المباركة.

 

وها هي السلطة اللبنانية المتبقية في الساحة، وقد أصبحت كرةُ النار في يدها، وهي كرة حافلة بالمهاوي والمخاطر الإقتصادية والحياتية والمعيشية التي تنبيء في حال تأخر الحل المتمثل حاليا ومرحليا، ببدء استشارات التكليف الحكومي توطئة إلى التأليف، بأفدح وأخطر المهاوي، وأهمّها ما يواجه البلاد في المرحلة الحالية وفي كل الأحوال، من أخطار الانهيار الشامل.

 

أما والكرة قد أصبحت شديدة اللهب في أيادي من باتت في عهدتهم خطوات الحلول المقبلة، فإن اللعبة التي ما زالت قائمة تتمثل في القاء تبعاتها ونتائجها المرعبة على الآخرين، فمنهم من يلقيها على الثورة- الإنتفاضة ويتهمها بالمبالغة والتعنت بمواقفها وأساليب تحركها، فضلا عن اتهامها الظالم بالإنتماء إلى جهات وتوجهات خارجية، متجاهلة الانتماءات والتوجهات التي تطاول بعضا من قطاعاتها، ومنهم من يلحقها بخصومه ومواجهيه، ولعل أعدلهم من يلقي بها في وجه جميع، المسؤولين معتبرا أنها مسؤولية متكافلة متضامنة فيما بينهم، أدت وتؤدي وستؤدي إلى أفدح الأضرار والأخطار.

 

والغريب أن الجميع ما زال يمارس لعبة تقاذف كرة المسؤولية تلك، في وقت تغرق فيه السفينة بالبلاد والعباد جميعا، والجميع يواجهونها بلغة عض الأصابع وكأنها لعبة أطفال مستمرة دون أن تلقى مسؤولا حقيقيا ومؤتمنا على مصير وطن بأسره ممسك ببعض خيوطها وكبح بعض من جنوحها، إنها اللامسؤولية الكاملة. أنه الغباء الكامل.