يستحقّ الوزير وائل أبو فاعور التهنئة والتأييد والدعم والتشجيع لمواصلة مسيرة كشف الغطاء عن كل ما له علاقة بالفساد الغذائي والمفسدين، والمستفيدين إذا ما وُجدوا وثبُت ضلوعهم في أعمال كهذه تعرِّض صحّة المواطنين لأخطار ومحاذير لا حدود لها.
لكن تغلغل الفساد والفاسدين لا يقتصر على “حصرهم” في نطاق بعض الأطعمة والمواد الغذائيَّة غير الصالحة، والتي من شأنها تعريض صحّة العشرات والمئات من المواطنين لما هو أدهى وأخطر من الأمراض العاديَّة.
فالفاسدون والمفسدون منتشرون بغزارة في هذه الغابة السائبة، وحيث يتمتَّع العديد من “المدعومين” بـ”صلاحيات” شبه مطلقة، تخوِّلهم التصرّف على كل الصُعد والمستويات كما لو أنهم المرجع الصالح والوحيد، وليس فوق كلمتهم كلمة ولا مَنْ يُحاسبون.
حتماً، لن يدَع الوزير أبو فاعور أي مجال للقال والقيل في هذا الحقل الواسع الانتشار، ولن يسمح للمآرب والغايات بأن تأخذ الصالح بجريرة الطالح، أو بدلاً منه، أو بدلاً من ضائع.
فوزير الصحة الذي استطاع تحقيق ما يشبه الأعجوبة على صعيد الأدوية وأسعارها مما أفسح في المجال للفئات والطبقات للحصول على الدواء بأسعار ليست تعجيزيَّة. هذا الوزير لا يفتّش عن منبر للظهور، ولا هو من طينة أولئك الباحثين عن الشُهرة والمنفعة.
والناس يذكرونه بالخير عندما يدور الكلام على الصالحين والجدّيّين من الوزراء، ويوجِّهون إليه التحيَّة الصادقة مع الشكر العميم.
إلا أن مسألة الفساد ليست ابنة البارحة. ولا هي مقتصرة على بعض المواد الغذائية وبعض المؤسسات المعنيَّة بها، إنما هي قديمة قِدَم الزمن. وهي هنا: في هذه الجغرافيا التي تعجُّ بالفلتان والتسيُّب منذ العهد الاستقلالي الأوَّل، وحيث كان قد قيل بثقة وعَبْر الخطب والبيانات الوزاريَّة إن الفساد لمْلَم حقائبه وأوراقه وذهب مع الانتداب الفرنسي إلى غير رجعة.
فإذا به يعود بسرعة، وثقة، وقوّة، كمن يخرج من الباب ليعاود الدخول من الشبّاك.
لقد حاول بعض العهود الاستقلاليّة، وفي مقدمها عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي حقّق إنجازات إداريَّة أساسيَّة، لا تزال إلى يومنا هذا تساهم مساهمة فعّالة في التأكيد أن الدولة لم تهاجر كلّها، ولم تسقُط كل مؤسساتها ودوائرها… على رغم الحروب والأزمات التي تتواصل وتتناسل حتى كتابة هذه السطور.
وهل ثمّة ما هو أخطر من الفراغ الرئاسي المستمر منذ ستة أشهر؟ أليس في موضوع هذا الفراغ المفتعل الكثير من “أفضال” الفساد والفاسدين؟
المهم، أن يواصل أبو فاعور مسيرته الإصلاحيَّة، فلعلَّ العدوى تلكز بعض زملائه وبعض النوّاب.
يقولون إن الفساد توأم الاستقلال.