IMLebanon

الفساد… وآثاره الإنتخابية المتوقَّعة

 

دلّونا على أي مشروع يُطرَحُ في هذه الأيام دون أن تفوح منه تلك الرائحة الكريهة التي باتت تداخلُ حاسّة الشمّ والإستقراء والإستنتاج لدى عموم اللبنانيين، عنينا بها رائحة الفساد وجملة التهم الجاهزة سلفا ولاحقا لإلصاقها بكل المشاريع التي يقرّ المسؤولون لها، موازنات ومخصصات، وسواء كان هذا الإلصاق صحيحا أم كاذبا أم مبالغا فيه، فإننا سنجد في أغلب الحالات، آذان الناس، صاغية إليه، مصدّقة لاتهاماته، ومضيفة إليها كثيرا من المعلومات المتسرّبة إلى الرأي العام من أكثر من جهة وأكثر من موقع. وما أُسمي بالفساد، بعضهم زاد في الإيضاح المباشر فسمّاه بعمليات نهب وسرقة منظمة يقتطع منها بعض المسؤولين والمتنفذين جزءا مهمّا من الأكلاف المدفوعة من عموم المواطنين الذين تزداد نكبتهم المعيشية حدة وشدة، في الوقت نفسه الذي تزداد جيوب سارقيها حجما ودفقا وطمعا بالمال الحرام.

لئن كان هذا الفساد موجودا منذ سنوات بعيدة، إلاّ أن ما استجد من صفاته ومخاطره قد ضاعف من أحجامه وأدخلها في كل صفقة كبيرة أم صغيرة، وباتت خاضعة للتقاسم والتزاحم، كما وأُخضِعَتْ إلى «الحقوق» الطائفية، فباتت السرقات تشمل سارقين من كل الطوائف، كما باتت شبه علنية، تكاد أن تكون معروفة وموصوفة من قبل القاصي والداني وعلى عينك يا تاجر، وقد زال عنها أي برقع من براقع الخجل والحياء، بل وصل البعض بها إلى حدود المجاهرة والمفاخرة باعتبار أنها تحصيل حق من حقوق الطائفة، وباعتبار المُجاهر والمُفاخر «ممثِّلا حصريا» لطائفته، تَشْبَعُ جيبته فتشبع معها جيوب كل أبناء الطائفة!.

وبعد… يقال ذلك كله والشعب اللبناني المنكوب حتى الثمالة، يُحْصي بحسرة وألم، عدد السرقات، ما تمَّ منها وما هو قيد الإعداد، وما يدفع اللبنانيين إلى مزيد من الألم والإستغراب والتساؤل، ذلك الإصرار على الغِيِّ والفساد من قبل جملة من المسؤولين لبثوا يقفون على متاريسهم يدافعون إلى آخر نفَسٍ عن «حقوقهم المهدورة»، حتى إذا ما ردعهم عنها قرار دستوري أو قانوني أو إداري، لبثوا على مناوراتهم التي تمهّد الطريق لهم وتزيل عنها العوائق والروادع، كما هو الحال في قضية الكهرباء التي ما زال لبنان محروما من تعميمها على مناطقه بما يكفي لسدِّ حاجاته الأساسية من هذه الطاقة التي تزيل عنه وعن أطفاله بلاء الظلمة ومصيبة دفع ثمن مرتفع لهذه الحاجة التي لا يخلو منها بيت في العالم كلّه، بما فيه بيوت الناس في الدول الأكثر تخلفا، بل وتزداد مصيبته بدفع تكاليف كهرباء الموتورات، الخاص منها والخاضع لتجّارها الذين باتوا يحمون مصالحهم من خلال ما يشبه العمل النقابي المنظم.

الأمر نفسه يصلح قوله في معضلة النفايات التي حذّرَنا وزير البيئة السابق قبل أيام من أن حالها أسوأ مما هو مُتصور، وأن أزمةً كبرى ستعود لتنفجر في وجوه الناس بشأنها بعد فترة أقصاها ستة اشهر، والأمر نفسه يصلح للقول في مصيبة أهالي عين سعادة – المنصورية وصراعهم مع خطوط التوتر العالي التي وُضِعتْ في حياتهم وحياة أبنائهم كأمر واقع ما زالوا يشكون من أخطاره العاتية، علما بأنهم ليسوا وحدهم بين اللبنانيين من يشكون من هذه المعضلة التي باتت تحتاج إلى تعميم حلولها على كل المناطق وكل المتضررين.

أما عن قضايا النفط والغاز، فحدّث ولا حرج، وهي قضية لبنانية تتجاوز المركزية لترتقي إلى الموقع الوجودي الذي سيُبقى الأملَ الأكبر والأكثر إشراقا على بلد بدأت الظلمة تداخل أجواءه المشعة، هي قضية ستسد الثغرات الهائلة التي باتت سلبياتها وديونها وعجز ميزانياتها تطغى على معظم الآمال بالإنقاذ والخلاص، هي قضية رغم ظواهر الإهتمام بها والتهيئة لدراساتها وإداراتها والإشراف عليها، واتخاذ القرارات المطلوبة بصددها سواء في مجلس الوزراء أم في المجلس النيابي، فإنها في واقع الأمر ما زالت غاطسةً في بحر عميق من التساؤلات والإستنتاجات السلبية، وما زالت ثرواتها سائبة تعبث بها إسرائيل تارة، وتطمع بها قبرص تارة، فضلا عن جملة من الأقطار، المجاورة لنا والبعيدة والتي ما زال لبنان يوليها تلك المعالجة السيئة وغير المكترثة، اللهم إلاّ من جملة من اكتراثات الناهشين المحليين.

ولعل موضوع البطاقات البيومترية والممغنطة تمثل آخر طبعة من الأقاويل التي تتناولها الألسن بما يضاف إلى حصيلة الأوضاع المماثلة والتي سلفت الإشارة إليها، سواء صحّت أم لم تصح، إلاّ أن المزاج الإتهامي العام يبقى محلّقاً فوقها ومن حولها.

أمور عديدة يمكن التطرق إليها وتجميع التهم والأقاويل والتلميحات إلى خلفياتها وإلى تفاصيل من هم وراءها ومن هم مستمرّون دون كلل أو ملل، لوضعها قيد الإقرار والتنفيذ، ولئن كان الكثيرون قد ملّوا من ملاحقة أمثال هذه القضايا التي من شأن كلٍّ منها إسقاط أنظمة وحكومات في أكثر من دولة بما فيه، الأكثرها تخلّفا، ولئن كان تقبّل «الفساد» أصلا وفصلا وتطورا وتجذرا قد أصبح جزءا لا يتجزأ من «أدراكهم» الخاضع إلى أوقح عمليات النهب في بلد يكاد أن يفقد كل إمكاناته، الظاهر منها والباطن، فأننا رغم هذا الوضع السلبي المتنصل من مسؤولية كثير من المواطنين تجاه قضايا وطنهم الملحة، فقد بتنا نلمس مزيدا معقولا من الوعي والحماس والإنغماس في صلب متطلبات المعالجة الإنقاذية التي بدون إيجادها فإن لبنان سيصبح دون شك مُعرّضا إلى استفحال الأمراض التي داخلته إلى هذه الحدود المذهلة، بحيث تتحوّل إلى مرضٍ عضال يصعب علاجه، بما يعرّض البلاد وأهلها إلى أهوال التردّي والإختناق الحياتي، وتزداد أهمية هذا الوعي المتحمس، عندما نجد أننا قد بتنا في بداية الاستعدادات للإستحقاق النيابي المقبل، حيث باتت كثير من الجهات والفئات تسعى جاهدة للتغطية على عيوبها المتأصّلة ولإعادة لمّ شمل الناخبين من حولها بما يضمن لها مسيرةَ استحلابِ هذا الوطن واستخلاص «خيراته» إلى جيوبها. من هنا نلاحظ بعض هذه الإرتجاجات والترددات لدى البعض في محاولةٍ منهم للتنصل من هذا الإستحقاق الإنتخابي المقبل، تطويلا لعمرهم السياسي في السلطة، وتخلّصُا من إحراج السقوط في الإنتخابات بعد أن ملأ الفسادُ أجواءها وسمعتها بالروائح الكريهة والممارسات الشاذة، وبالإنتظار، لقد بدأت المعركة الإنتخابية بمعارك تستعمل القنابل الصوتية والمناورات المشغولة من الوزن الثقيل وها نحن جميعا في مواجهة بين مسؤولين يرغب بعضهم في تقديم موعد الإنتخابات، وبعضهم في إبعادها إلى أقصى حدّ، وهي قد تتقيد بالموعد المحدد في شهر أيار من العام المقبل، وقد تسعى إلى إطالة عمر المجلس النيابي الحالي من خلال تمديد جديد، أما الأعذار لتحقيق هذا السعي، فهي حاليا قيد الإعداد والتوضيب والترتيب ونأمل بأن تبقى أمام الشعب اللبناني فرصة إفشال هذه المساعي وهذه المناورات المغرضة والمسيئة لمصالح اللبنانيين وسمعة وطنهم بمختلف الأوضاع والمقاوييس.