IMLebanon

الفساد والصراع على السلطة؟

هل يملك الرئيس حسن روحاني، الجرأة والسلطة، لمحاربة الفساد المستشري في إيران، في مختلف المواقع وعلى كل المستويات؟

حسن روحاني لا يملك الجرأة، لأنه لا يملك السلطة رغم أنه رئيس الجمهورية! منذ اليوم الأول في ولايته الرئاسية الأولى، فكيف وقد أصبح في ولايته الثانية ودخلها من موقع قوّة، يعرف الكثير عن الفساد ومواطِنه وبطبيعة الحال أسماء الفاسدين ومواقعهم، رغم ذلك لم يفعل الكثير. اكتفى الرئيس ببعض التصريحات. ولا شك أن «خنجر اليأس طعنه في صدره».

عندما أعدم باباك مرتضى زنجاني الذي كان سائق سيارة لمسؤول أمني في «الحرس»، والذي أصبح مليارديراً كبيراً (ثروته أكثر من عشرة مليارات) في أقل من عشر سنوات، رغم اعتراضه وذلك لاستكمال التحقيقات معه. لمس روحاني فوراً، أن المرشد آية الله علي خامنئي لا يريد الغوص في القضية حتى لا تتكشّف أسماء ويصبح من الصعب جداً إيقاف

«كرة ثلج» تتدحرج بسرعة كبيرة، وبطبيعة الحال سيتضخّم حجمها تلقائياً. اعترض روحاني ومن ثم دخل حالة الصمت.

الآن، الطبيعة كشفت مستوراً من معلوم. الزلزال الذي كان قوياً جداً على مقياس ريختر، شكّل عاملاً مدمّراً. لكن الدمار الذي حصل أكد أن الطبيعة ليست السبب وحده في دمار 30 ألف منزل بلغت أضرارها 6,3 مليارات دولار. مبانٍ كاملة دُمِّرت، رغم أن مباني ملاصقة لها لم تتضرّر. الرئيس الذي عاين آثار الزلزال قال: «أي أخطاء في تشييد المباني التي نفذتها الحكومة بمنطقة الزلزال ستخضع للمحاسبة». وبعد اجتماع موسّع حضره روحاني إلى جانب خامنئي والأخوين صادق لاريجاني رئيس القضاء (الذي وقّع على إعدام سنجاني، وسُحبت مؤخراً عنه تهمة امتلاك أرصدة مالية ضخمة موزّعة على مصارف عدّة بقوّة الضغوط) وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، وقائد الحرس محمد علي جعفري والأميرال علي شمخاني، قال روحاني: «عقود البناء فيها فساد».

هذا الفساد قديم وتجسّد في الزلزال، وهو أكد عجز روحاني وكل الإدارة الإيرانية، لأن مَن يمسك السلطة فعلياً أقوى منه ومنها. الشركة التي التزمت بناء المساكن التي انهارت هي «شركة إسكان مهر»، التي في عام 2010 (أي في فترة أحمدي نجاد الرئاسية) نهبت أموال المعاقين التي بلغت أربعة مليارات دولار. وعلى الرغم من كل الأدلة وخطورة التهمة، أُعيد تكليف الشركة نفسها ببناء منازل «سربل» التي تدمّرت وبقيت المنازل التي بناها أصحابها واقفة.

باختصار، سلسلة الفساد استمرت وامتدت من عهد إلى عهد وكأن شيئاً لم يكن. أخطر من المنازل التي دُمرت، انهيار كل المستشفيات التي بُنيت حديثاً في المنطقة ضمن المشروع، وعلى أساس مقاومة الزلازل. أكثر من ثمانية آلاف جريح عُولجوا في «هنغارات» بُنيت على عجل.

الرئيس الإيراني يعلم ولا يفعل. لذلك براءته لا تعفيه من المسؤولية. يعلم روحاني أن «الحرس الثوري» يمسك بقطاعات النفط والغاز واستيراد وتسويق الحديد والاسمنت، وأن جمعيات كبار المعمّمين نافذة وفاعلة وأبرزها «جمعية خاتم الأنبياء»، وأن القطاع الخاص لا يجسر على منافسة عروض شركاتها حتى ولو كان يملك الخبرات لأن من السهل اتهامه بمعاداة الثورة أو حتى الثورية. إلى جانب ذلك، إن إمكاناته المادية أضخم من أن تواجه أيضاً. عندما لا يمكن لأحد في الإدارات الرسمية الاطلاع (مجرد المتابعة من دون المحاسبة) أو مراجعة الثروة التابعة للإمام الرضا في مشهد التي تصل حسب كل التقديرات إلى حوالى 95 مليار دولار، لأن «الحاضن» هو حالياً السيد ابراهيم رئيسي، الذي لا يسائله في كل العائدات سوى آية الله علي خامنئي، لذلك كل المتابعات تصبح بلا معنى.

باختصار، روحاني أمام ثالوث مهيمن على الاقتصاد مشكَّل من: «الحرس الثوري»، والمؤسسة الدينية الملتزمة بولاية آية الله علي خامنئي، إلى جانب إمساك خامنئي نفسه بثروات الإمام الرضا، لا يمكنه أكثر من الاحتجاج ثم السكون.

روحاني الذي عاش تجربة الاطلاع على الديموقراطية الغربية يعرف جيداً، أنه لا توجد في العالم قيادة مضى عليها ربع قرن في السلطة ترافقها مجموعات من المساعدين أمضوا أكثر من ثلاثين سنة في مواقع القرار، وتبقى سليمة ومعافاة من أمراض السلطة القاتلة، حتى ولو كانوا أشرف الناس.

هذا الفساد يدمي إيران. مشكلته ليست فقط في طبيعته في نخر المجتمع وتعريض مكوّناته للخطر على مختلف المستويات، الأخطر عندما يصبح هذا الفساد حلقة أساسية في الصراع على السلطة. حالياً مَن يسمع تصريحات روحاني داخلياً وخارجياً، يخيّل إليه أن كل الإصلاح والاعتدال والانفتاح الذي التزم به أصبح في خبر كان لأنه في كل ما يقوله يقع على يمين المتشدّدين. روحاني يريد كما أصبح واضحاً، أن يكون خليفة خامنئي. ولذلك بين ما يريده وما يواجهه ويقدر عليه مسافة طويلة جداً. إذن، من الطبيعي أن يتابع روحاني تقديم التنازلات أكثر فأكثر. في وقت لا يبدو شيئاً مضموناً لأن خامنئي لا يريده، فهو لا يطمئن إليه، لذلك يدعم ابراهيم رئيسي لعله يستطيع فرضه على مراكز القوى خليفة له، بعد أن فشل في حيازة الثقة الشعبية.

ليس أكثر من خامنئي مَن يعرف خريطة القوى في إيران، فهو صعد إلى «الولاية المطلقة» بعد أن تبوّأ رئاسة الجمهورية ومواقع عسكرية عديدة. وهو الولي الفقيه منذ 25 سنة. لذلك يلعب دائماً لعبة الإمساك بالعصا من وسطها، وعندما يجد الفرصة مناسبة، يستعملها لضرب مَن يخشى عدم ولائه. لهذا عمد مؤخراً إلى إحداث تغييرات في قيادة «الحرس الثوري» فحافظ على الأوفياء ومدّد لهم، وأبرزهم الجنرال محمد علي جعفري (أكمل عشر سنوات في القيادة)، وأبعد مَن يشك بولائه من دون الكشف عن مظاهر الشك أو أسبابها. ثم عاد وحجّم الجيش بعد أن ترك لقيادته حرية الحركة لفترة محدودة، لكشف مواطن الخلل في ولائها له.

مهما أخفت القوى المتصارعة في إيران خلافاتها ومزاحماتها ومنافسة بعضها للبعض الآخر، فإن الوقت قادر على كشف الوقائع، تماماً كما فعلت الطبيعة عندما تزلزلت الأرض وكشفت مكامن الفساد القاتل.