محاولة لتصفية الحسابات وإلصاق تهمة الفساد وهدر المال العام زوراً بالخصوم دون سواهم
حملة «حزب الله» المزعومة لمكافحة الفساد سمَّمت الأجواء ووضعت العصي بدواليب الحكومة
جملة أهداف خبيثة توخّتها حملة «حزب الله» الملتوية التي تم توُظِّفَت إمكانيات سياسية وإعلامية واسعة لها
لم تشن حملة «حزب الله» على ما سماها الأمين العام للحزب حسن نصر الله مكافحة «الفساد» بعد الانتخابات النيابية مباشرة، هكذا من هباء أو من دون أهداف محددة.
روج الحزب للحملة بجملة مواقف وعظات، وجَيّشَ كتّاب المقالات الصفراء وصوّر نفسه وكأنه آتٍ من عالم المثالية والطهارة في مواجهة مجموع الطبقة السياسية الغارقة بالفساد والرشوة واستباحة الدولة والمال العام، حتى ظن البعض لوهلة ما، ان الحزب قد بدل بالفعل في نهجه ويحاول ان يلبس قميصاً لم يعتد عليه ولا يتلاءم مع ممارساته منذ نشأته ويتعارض كلياً مع سجله الحافل باستباحة القانون والدستور وحماية المطلوبين والمتهمين في جرائم القتل والاغتيال السياسي والاعتداء على المدنيين الذين يعارضون توجهاته وسياساته الموالية للنظام الإيراني.
ولكن هذه الصورة تبدّلت فجأة عندما اختار قضية خلافية ركبّها اساساً مع نظام الأسد الدموي بالتعاون مع «التيار الوطني الحر» لاستهداف الرئيس فؤاد السنيورة الذي تولى مهمات رئاسة الحكومة منذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لمرتين ومن بعده الرئيس سعد الحريري، وسبق ان فشلت كل محاولات الاستهداف السياسي من خلال هذه القضية بالرغم من حبكة حلقة التآمر يومذاك داخلياً واقليمياً وسقطت كل الادعاءات المزوّرة امام صوابية وصدقية الإجراءات الموثقة بكل شفافية وبمهنية عالية يشهد لها القاصي والداني.
كشف الحزب بوضوح منذ البداية توجهات حملته، هو يُعيد إحياء قضية مفبركة لم تنفع كل اساليبه الماكرة والغادرة وسطوة سلاحه غير الشرعي في توظيفها لصالحه في السابق، يحاول نبش القبور من جديد، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى في محاولة لإعادة استهداف خصومه السياسيين التقليديين دون غيرهم، متجنباً إثارة ملفات الفساد الأخرى لحلفائه واتباعه والمرتزقة والصامتين على ارتكاباته التي لا تعد ولا تحصى.
الهدف أصبح واضحاً، جملة تصرفات تزامنت في وقت واحد.
يعطي الحكومة الحريري الثالثة الثقة في المجلس النيابي لأول مرّة بتاريخه، من قبل كان يُشارك بالحكومات ويمتنع عن التصويت على الثقة بحكومات الحريري.
عندما كانت الحكومة تستعد للعمل لتسريع الخطى في النهوض العام وفي مقدمته إعادة انعاش الوضع الاقتصادي الصعب الذي تأثر بعرقلة الحزب القسرية لتشكيل الحكومة لأشهر طويلة لفرض شروطه التعجيزية بالقوة وقبل ان تجتمع بأيام ووجه رئيسها بطعة من الحزب بالظهر عندما ابطل المجلس الدستوري نيابة نائب طرابلس ديما جمالي من كتلة «المستقبل»، بالتزامن مع الايعاز لوزير اللاجئين المحسوب على الحزب بزيارة دمشق من دون طرح الموضوع على مجلس الوزراء، في رسالة تحدٍ واضحة لرئيس الحكومة، ثم كانت حملة مكافحة «الفساد» المبرمجة في سلسلة اطلالات إعلامية لنائب «حزب الله» حسن فضل الله يحمل خلالها قصاصات مصورة تذكرنا بحلقات التهريج الهزلي التي تفتقد أي صدقية ولا تقدم ولا تؤخّر، إلا بتسميم الجو السياسي وانكشاف لعبة الحزب مبكرا من وراء حملته الممجوجة هذه وهي تكبيل انطلاقة الحكومة وتعطيل كل محاولات النهوض بالوضع العام وتنفيذ الخطوات المطلوبة سريعاً لوضع مقررات مؤتمر «سيدر» موضع التنفيذ الفعلي، وإعطاء انطباع سلبي عن الوضع السياسي العام في البلاد، داخلياً وخارجياً على حدّ سواء، وهو ما إرتسم جزئياً في أذهان النّاس بالداخل بعد تصرفات «حزب الله» وحلفائه طوال الأسابيع الماضية.
ما هي أهداف الحزب من حملته المركبة هذه والموجهة ضد خصومه السياسيين التقليديين دون سواهم؟
جملة أهداف خبيثة يتوخاها الحزب جرّاء حملته الملتوية التي يوظف لها إمكانيات سياسية واعلامية واسعة ويسلك الطريق القضائي بدلاً من سلاحه كما فعل أكثر من مرّة، أوّلها حصر آفة «الفساد» التي يسلط الضوء عليها، بهؤلاء الخصوم دون غيرهم وهو ما سعى إليه من خلال انتقاء ملف الاحدى عشر مليار دولار المفبرك اساساً كواجهة جاذبة لهذه الحملة امام الرأي العام واعتبار ما يمثله هؤلاء الخصوم من «حالة سياسية» بأنهم مسؤولون كل المسؤولية عن تردي الوضع الاقتصادي والمالي الذي وصلت إليه البلاد حالياً جرّاء سياساتهم الخاطئة وهدرهم للأموال خلافاً لما يدعيه زوراً، أو في الخلاصة يسعى الى تحميل «الحريرية السياسية» التي يمثلها هؤلاء المسؤولية الكاملة عمّا يحصل مستقبلاً.
ثانياً: يسعى «حزب الله» إلى نفض يديه وايدي حلفائه من كل ما التصق به من ارتكابات واستيلاء على المال العام بشكل فاضح من خلال التهريب المبرمج عبر المنافذ البرية والبحرية وإدارة شبكات الاتجار بالمخدرات بالداخل والخارج والتسلط على مقومات وادارات الدولة بقوة السلاح وبالتدخلات من هنا وهناك وغض النظر عن الهدر والاستيلاء على المال العام في المؤسسات والإدارات الرسمية منذ أكثر من عقدين وحتى اليوم، كالكهرباء وغيرها وتجاوز الدستور واستعمال السلاح غير الشرعي في الاقتتال والحروب الأهلية بالعديد من الدول العربية أو الإساءة لعلاقات لبنان العربية وما أدّت إليه من اضرار سلبية على الوضع الاقتصادي العام.
ثالثاً: إعفاء نفسه من تكلفة استجلاب الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وما تكبده اللبنانيون من خسائر باهظة بالممتلكات والبنى التحتية والاقتصاد عموماً ولا سيما اعتداء عام 2006 والذي كلف مليارات الدولارات للخزينة اللبنانية وكله لحساب الخطط والمصالح الإيرانية المعروفة وليس لمصلحة الشعب اللبناني الذي دفع وما يزال يدفع تكاليف ممارسات الحزب هذه حتى اليوم.
رابعاً: حرف انتباه اللبنانيين عن مسألة المطالبة بوضع سلاح الحزب تحت إشراف وإمرة الدولة اللبنانية من خلال الاستراتيجية الدفاعية التي حكي عنها طويلاً، ولم تلقَ بعد طريقها إلى التنفيذ الفعلي لإبقاء لبنان تحت هيمنة هذا السلاح لغايات ومصالح خارجية، لأنه لم يعد لهذا السلاح أي وظيفة بعد تسلم الجيش اللبناني مهمات الأمن على الحدود الجنوبية وكل المناطق اللبنانية ويحظى بدعم وتأييد اللبنانيين في مهماته.
كان الأجدى للحزب، لو كان جاداً بحملته في مكافحة الفساد، اختيار أو ضم قضايا وفضائح أو ملفات الاختلاس والفساد خاصته أو بعض حلفائه وما اكثرهم، لتكتسب هذه الحملة بعضاً من الصدقية والقبول لدى النّاس، ولكنه كشف نفسه بنفسه وفضح أهدافه المتوخاة جرّاء ذلك مبكراً، وانه لا يسعى الا لاستهداف خصومه وتصفية الحسابات القديمة – الجديدة معهم.