في نهاية العام الماضي أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة مشروع قرار ضد «حزب الله« شدد من خلاله الخناق عليه وعلى المؤسسات المالية والأفراد الذين يدعمونه، دعا فيه إلى إجبار الخارجية الأميركية على التعريف بوسائل الإعلام الداعمة للحزب والتي تموله، مثل قناة المنار و«توابعها« أو ما يندرج ضمن خطها السياسي وبعده الأمني، وفرض شروط قاسية على فتح أي حساب لأي جهة خارجية تسهل تعاملات الحزب أو تغسل أموالاً عائدة اليه.
ما كان بنظر «حزب الله» مُجرّد حبر على ورق والذي اعتبرته يومها مجموعة من قياداته بانه مُجرّد قرار غير قابل للتطبيق، أصبح اليوم قانوناً ثابتاً ساري المفعول بعدما شرّعته الولايات المتحدة الأميركية لتطال من خلاله عدداً من قادته في طليعتهم الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله وخليفة عماد مغنية في القيادة العسكرية مصطفى بدر الدين، بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات والأسماء التي تعمل تحت ستارته، وذلك بتهمة تبييض الأموال لصالح الحزب المُدرج على لائحة الإرهاب الدولي مثله مثل تنظيمي «القاعدة» و»داعش».
من يُقنع «حزب الله» اليوم بأنه تحوّل من مقاوم صاحب مشروع محق يحظى بتأييد واسع يسمح له بإستعادة أرضه، إلى مُرتكب ومُحتل ومُطالب أو مُلاحق دوليّاً. كل هذه الأسئلة أو الإستفسارات لم تعد مهمة بالنسبة الى «حزب الله» ولا هي عادت تؤثر بطبيعة عمله وأنشطته التي يمارسها في طول البلاد وعرضها من دون حسيب او رقيب ومن دون أن يُعير أي أهمية للتأثيرات الجانبية التي تنتج عن أفعاله هذه وارتكاباته، والتي تُغرق لبنان وتزيد من أزماته وتشويه صورة أبنائه الذين تنعكس عليهم سلبيّات هذه الأفعال داخل المجتمعات التي يتعايشون ضمنها، ويُلزمهم تحمّل تبعات أفعاله وإنزلاقاته ويفرض عليهم عزلة اجتماعية واقتصادية ليعود ويخرج بعدها ببيانات استنكار يمدح فيها نفسه ويضع الإجراءات والقرارات المتخذة بحقه في خانة العداء لخط «المقاومة«.
«المقاومة» هي حُجّة «حزب الله» الدائمة أو معزوفته المتواصلة. يتحجج بأن مقاومته مستهدفة على الدوام ومن وراء هذا الإستهداف، تصدر بحقه قرارات دولية وعربية، لكن هل طرح أو ناقش الحزب يوماً على هامش اجتماعاته، الاسباب التي أوصلته الى هذا المكان؟ وهل سأل نفسه عن ارتكاباته في بيروت والشمال والبقاع وعن حمايته المطلوبين وتهريبهم إما الى بلدات احتلها في سوريا مثل «القصير» و»الزبداني» وغيرهما أو الى قرى ومناطق لبنانية تخضع لدويلته؟ هل سأل «حزب الله» نفسه عن وجود تاجر مخدرات على جبهات قتال اعتبرها أشرف من تلك التي خاضها ذات يوم في جنوب لبنان؟ هل سأل نفسه ماذا يفعل في اليمن والعراق وسوريا التي ازهق فيها حياة اكثر من الفي شاب لبناني كانت اسرائيل نفسها تهابهم وتعمل لهم الف حساب؟ وهل سأل نفسه عن المنتصر من ادخال اليتم والألم والقهر الى بيوت عائلات كان اذلّ بعضها منذ فترة قصيرة على حواجز الأمن الذاتي؟.
من قال إن الفساد يُمثّل فقط بأشخاص مثل صلاح عز الدين وحسن تاج الدين وعبد اللطيف فنيش شقيق الوزير محمد فنيش وحاتم وهاشم الموسوي شقيقا النائب حسين الموسوي، ولم تسقط عنهم الحصانة الحزبية إلا بعد تسليم جزء من أموالهم للقيادة؟ للفساد وجه آخر يتمثل بقتل الناس وتهجيرهم وإحراق منازلهم ومن ثم مقايضتهم على بيع ممتلكاتهم مقابل أبخس الأثمان بعد حصارهم بقصد قتلهم جياعاً تماما كما يحصل اليوم في «مضايا» و»الزبداني». والفساد ايضاً يكون في حماية عصابات السرقة والاتجار بالمخدرات وفرض الخوّات على الآمنين بحجّة تأمين الحماية لهم وفي استغلال حاجات الناس في ظل تغييب الدولة عن مناطقهم لصالح الدويلة.
ليس السؤال اليوم ما إذا كان القرار الاميركي، أو غيره من القرارات، قابلاً للتنفيذ ام لا، بل السؤال هو إلى أين يريد أن يأخذ «حزب الله» البلد واللبنانيين وهو الذي يحمل مشروعا مجهولاً لا ينتج عنه سوى الموت ويفرض حالة شاذة على البلد ويُحمّل أبناءه ما لا طاقة لهم به، مرّة يفرض عليهم الموت والدماء، ومرّات يُغرقهم في الفساد وأخواته. لكن الثابت الوحيد أن ما من حالة شاذة يُمكن لها ان تستمر في أن تتحكم بمصير هذا البلد وأن تستمر في تطويع إرادة الناس وإلحاقها بمشاريع الموت خارج الحدود ولا بصناعة الكابتاغون.