تدفع الأسر اللبنانية نحو 3 مليارات دولار سنوياً مقابل حصولها على الكهرباء. يُنفَق من الضرائب مليار و200 مليون دولار ويسدد المشتركون فواتير بنحو 600 مليون دولار، فيما تُقدّر فواتير المولدات لتأمين النقص بمليار و200 مليون دولار. هذه الكلفة الباهظة التي يتكبّدها المقيمون في لبنان، والتي تُعدّ باهظة جداً، سببها الفساد وسوء الادارة والجشع
خسائر الناس من أزمة الكهرباء كانت حاضرة في الاعتصام الذي دعت اليه حملة «بدنا نحاسب»، أمس، أمام شركة كهرباء لبنان، عبر لافتات رفعها المتظاهرون ليقولوا إن الشعب لم يعد جاهلاً بقضاياه وإن المحاسبة تبدأ من الأرقام، وإنهم لا يريدون أن «يدفعوا فاتورتين» بعد الآن
فعلياً، لم يعد خافياً على كثيرين حجم الأموال التي تُنفق في الكهرباء في لبنان. تصل كمية الطلب على الكهرباء الى 3000 ميغاوات. طاقة الانتاج المتاحة، بما فيها الاستجرار من سوريا، تغطي نصف الطلب فقط. وفيما كان المفترض أن تُستحدث معامل إنتاج جديدة لتلبية النقص الحاصل، رُبطت مشاريع الكهرباء، منذ التسعينيات، بالخصخصة التي تدرّ أرباحاً يسيل لعاب المعنيين عليها. ومذ ذاك الوقت، بات الخلاف في ملف الكهرباء حول حصص «المؤتمنين» على مصالح الشعب.
«العتمة عنا ليل نهار، وما خلّوا عنا مليار»، شعار رفعه المعتصمون، الغاضبون من حرمانهم حقوقهم التي يتكبّدون كلفتها من دون أن ينالوها.
ثمة أسباب كثيرة للأزمة، إلا أن سياسات الحكومات المتعاقبة كانت تدميرية في هذا القطاع بهدف تبرير خصخصته وتوزيع ريوعه على النافذين، وهناك أيضاً مصادر عدّة للعجز المالي تتمثل في السرقات والعقود السخية للشركات والتعليق على الشبكة والتهرب من دفع الفواتير وانخفاض التعرفة بالمقارنة مع الكلفة (وضعت في التسعينيات على أساس أن سعر النفط هو 25 دولاراً).
في ظل هذا الواقع، وعلى مرّ سنوات، بقيت القوى السياسية مستفيدة من الإبقاء على هذا الواقع، إذ تحوّلت هذه المليارات الثلاثة الى ريوع تستفيد منها هذه القوى. لعلّ أبرزها الريع السياسي المتمثّل في شراء الولاءات السياسية عبر «إعفاء» بعض المجموعات من دفع فواتير الكهرباء (غض النظر عن عمليات التعليق على الشبكة وغيرها من أمور التحايل تجنّباً لدفع الفواتير). أما الريع المالي فيتمثّل عبر عقود توريد النفط التي تُعدّ الأغلى كلفة، فضلاً عن عقود الصيانة والتشغيل والبواخر ومقدمي الخدمات، فيما يتجسّد الريع التوظيفي من خلال إبقاء وضع المؤسسة على ما هو عليه وعدم سد الشغور وابتكار صيغ المياومة.
خلال هذه الفترة، نشأت مصالح و»تجذّرت»، وباتت القوى السياسية تتعامل معها كأنها أمر واقع، ولم تنفك السلطة عن التصرّف وكأن المقيمين في لبنان مضطرون إلى تحمّل الكلفة الى ما لا نهاية، وصوّروا أزمة الكهرباء كما لو أنها عصيّة على الحل، وبدأوا تقاذف المسؤوليات في حين ان الجميع يتحمل المسؤولية لعدم اتخاذ الخيار البسيط والمتمثل في إنشاء معامل إنتاج تكفي الحاجات، وكذلك عدم مقاربة نظام الدعم المكلف الذي يفترض أن يقتصر على دعم الأسر المحدودة الدخل لا الاغنياء والشركات.
لم يشكُ المتظاهرون أمس من حرّ الطقس، «بس عم تنقطع الكهربا ببيوتنا، هيك عم نحسّ»، يقول أحد المعتصمين، نزلوا بكماماتهم وحناجرهم التي باتت مألوفة. عزيمتهم كما هي تعكس إصرارهم على تحقيق تقدّم ما، دعوا الى تظاهرة اليوم، وقالوا «ما دام التمديد شرعي، نحنا مددنا بالساحات»، لافتة حملها بعض المتظاهرين أمام مدخل الشركة، معلنين استمرار تحركاتهم.