ليس نبأ عابراً أن تمنح الاكاديمية الاسوجية جائزة نوبل للسلام لـ 4 هيئات تونسية تقديراً لدورها المشترك في انقاذ تونس من حرب أهلية، واستكمال الانتقال الى الديموقراطية.
مصادفةُ الاعلان مع “نشاط” الحراك المدني في وسط بيروت، مناسبة للتأمل والمقارنة: صحيح أن أفرقاء الخلاف في تونس اثنان، العلمانيون والمتدينون، وأن نظراءهم اللبنانيين منقسمون طائفياً ومذهبياً، وإقليمياً، وطبقياً ومناطقياً، وتجاه السلاح، لكن الصحيح ايضاً أن العنوان المعلن للحراك المدني في البلدين هو الخروج من الأزمة، فيما الفارق الفعلي أن الطرف التونسي واضح الرؤية، بينما اللبناني يتخبط بين إزالة النفايات وإزالة النظام.
الاختلاف الثاني هو هزال المجتمع المدني اللبناني، و”بدائية” أساليبه، وحداثة تبلوره. فالقوى الأربع في تونس تملك تاريخاً من النضال يمتد الى زمن البورقيبية، هي “الاتحاد العام التونسي للشغل” و”الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية” و “الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين” و”الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان”، وهي تمثل قوى الانتاج الاقتصادي، والانتظام القانوني الاجتماعي، بينما مثيلاتها في لبنان إما شاركت جزئياً، أو عادت كلياً، وقاطعت عموماً. وفيما كان الهم التونسي دفع القوى السياسية الى الحوار لصون الدولة والوطن، كان الهم اللبناني يفتقد منهج العمل والعنوان الاستراتيجي، ويعتمد تهمة الفساد الدوغمائية، كسقف أعلى، وإزالة النفايات كأرضية.
صحيح أن الدفاع عن الطبقة السياسية صعب، لكن أهلها ليسوا جميعا فاسدين بالسليقة، فبينهم من اختار الفساد نهجا، ومنهم من يعجز عن فضحه لتشابك المصالح. ولأن مجرى الحياة السياسية، اليومية يغرق الجميع في وضاعتها وإسفافها، حتى لو كان منهم قديسون، صار بإمكان الجميع تعميم “التهمة” على الجميع.
لكن الاصوات المرتفعة ضد الفساد، وتحركات المجتمع المدني، تدور كلها في ضواحي المشكلة، وتنصرف عن لبها. فما شهدناه، ونشهده منبعه كارثتان وطنيتان: الاولى، قرار فئة، بالمعنى الديني والمذهبي والحزبي، سلب الدولة احتكارها للقوة. والثانية فرض تشاركية في الحكم، ما جعل الجميع وفي آن واحد، في السلطة وخارجها، ومنع اعتماد برنامج فعلي للحكومة، والوضوح في عملها.
عودة الى المقارنة التونسية – اللبنانية: نجح الرباعي التونسي في تجنيب بلاده الانزلاق الى الفوضى، بينما الحراك المدني اللبناني، وبدل أن يكون عامل توحيد لكل قوى المجتمع، وفي طليعتها النقابات المهنية، أظهر غرقاً في عناوين كبرى، جدية في نصها، وخادعة في تطبيقاتها، بسبب قوى سياسية مفلسة وجدت فيه، أو كادت، مطية لحقد سياسي دفين، وخدمة استراتيجية مضمرة.
ليس الوقت متأخراً على تصحيح المسار، إذا التزم التحرك المدني ما تتعارف كل المجتمعات على اعتباره نهجا ديموقراطيا سلميا ليس منه فرض “حصار” على منزل قاض. ففي ذلك فساد في محاربة الفساد، ويوحي بأن العنف ليس أمراً طارئا على الحراك بل أصيل فيه.