IMLebanon

الفساد هو النظام

تكفي فضيحة واحدة لهز حكومة في اي نظام حر في العالم. فكيف اذا ما اجتمعت فضيحتان في آن واحد!

في لبنان نظرية التراكم تسري على اي شيء، إلا على الفضائح. الفساد يتراكم ومافياته تصير اكبر من دولة واكبر من حكومة ومن احزاب، والمال الاسود يتراكم ويصير مالا ابيض حلالا ومؤسسات مالية وتجارية وعقارية كبرى، والنفايات تصير جبلا، ولكن وحدها الفضيحة التي تتعلق بالانسان تلغي الفضيحة التي سبقتها لا بل تقتل الفضيحة التي جاءت قبلها.

مشكور وزير الصحة على الجهد المبذول لفضح المطاعم والمؤسسات التي تزدري اللبناني وصحته، ولو تجنب معاليه فضح اصل العلة المتمثل بمافيات الاستيراد والمسالخ… ولكن ماذا عن الفضيحة الاخرى التي اثارها بنفسه قبل شهر وطاول فيها المستشفيات التي “تسرق” الضمان الاجتماعي بأسماء مرضى وهميين؟ هل تبخرت هذه الفضيحة بحرارة فضيحة الاطعمة الفاسدة؟ وماذا عن البقية الباقية من الفسادات والفضائح؟ ماذا عن احجية الكهرباء؟ ماذا عن كذبة شح المياه؟ ماذا عن اسطورة المقالع والاحراج؟ ماذا عن شقوق السدود؟ ماذا عن مغارة الجمارك؟ ماذا عن سجل الرشى الذي لا تصدق وقاحته؟ ماذا عن ملف العمالة الاجنبية والعنصرية المعيبة التي تمارس ضد خدم المنازل؟ ماذا عن كارتيل المخدرات وطموحاته المدرسية؟ ماذا عن سجل العملاء وتبرئتهم عشوائيا؟ ماذا عن اي قطاع شملته روائح الفساد؟ وهل من ذرة هواء في لبنان لم تلوثها الفضائح والروائح الوسخة؟

وفي ذروة الفضيحة الحياتية والمسرحيات التلفزيونية التي رافقتها والتي اضحكتنا على انفسنا من الالم، من يتذكر بعد فضيحة الفضائح؟ من يتذكر ان الدولة عاجزة عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ بضعة أشهر ولا أحد يشعر بالفراغ؟ من يتذكر ان نوابا، خالفوا الدستور والتكليف الشعبي لهم، وكلفوا انفسهم ولاية جديدة من دون تكليف من احد؟ والانكى انهم فعلوها باسم الشعب، شاء من شاء وابى من أبى… فكيف لنا ان ننتظر سيادة القانون والمحاسبة بينما المولجون بها ومن يفترض انهم حماتها هم أوائل العابثين بها؟

الفساد لم يعد عابرا في لبنان، صار اصيلا خالدا كشجر الارز، صلبا وشامخا كاعمدة قلعة بعلبك. صار هادرا كنهر العاصي، وصارت اقبيته اعمق من مغارة جعيتا. صار نمط عيش الظاهر منه معلوماً وما خفي اعظم، وصار الشاطر من يتقن فنونه وأهبل من لا يمارسه. صارت نظافة الكف نقيصة تجلب لاصحابها اللعنة والفقر المدقع، وصرنا خبراء في لملمة الفضيحة بعد ابتكارها. الفساد هو زهرة النظام، هو النظام نفسه، هو لبنان الجديد الذي ارادته نخبته السياسية الحالية على شاكلتها ونجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير.