IMLebanon

شريعة الفساد

الحالة السياسية في لبنان كالحالة البيئية، نفايات في الشوارع والساحات، وروائح تزكم الأنوف وتقلّب الأنفاس، وفساد تحوّل الى شريعة معشعشة في العقول والادارات.

قد لا يصدق أحد أن موجة النفايات التي انطلقت من عقال اصحاب المصالح فور انتهاء شهر رمضان، أساسها لعبة ابتزاز على الطريقة اللبنانية التقليدية، نترك باخرة الفيول في عرض البحر ليجف مخزون معامل الكهرباء، فنفرض سعر الضرورة… نشق الطرقات وندعها لتشقشق اطارات السيارات ليحصل المقاول على أسعار اضافية… نتهرب من الدخول في مناقصة النفايات، لتمتلئ بها الشوارع وتقتحم بروائح الكريهة بيوت الناس، كباب للحصول على السعر الأفضل…

ولمن تشكو عندما يكون مرجع الشكوى هو الخصم والحكم؟

المشاهد الفاقعة في كل شارع ورصيف مصحوبة بعوامل تكاثر البكتيريا نتيجة ارتفاع الحرارة، غيّبت نواطير الاستقرار اللبناني، عن ثعالب الفساد المنتشرين في كروم الوزارات والادارات، وبحمايات ذاتية مدفوعة الأجر، وحصانات سياسية ضد الانكشاف أو الوقوع في الدعسات الناقصة.

مشكلة الفساد التي صعّدتها أزمة النفايات الى الواجهة، ليست في وجوده، بل في استعصاء امكانية الخلاص منه والاقلاع عنه…

هناك نوع من التعايش مع هذا الداء الوبيل، فالمتعود على السم، لا يعود يرى فيه سماً. ومجتمعنا مركّب على هذه المعادلة، فما من وظيفة الا ولها ثمنها المدفوع سلفاً، وما من منصب يمكن الحصول عليه مجاناً أو بالكفاءة المجردة.

عندما يُقبل مواطن على وظيفة حكومية، يُسأل عن البراني قبل الجوّاني، والبراني يصفونه بالاكرامية، بينما هو في الواقع رشوة، بل رشوه موصوفة. أما الجواني فهو أساس راتب الوظيفة.

بعض الوظائف تحولت الى مصدر تمويل لهذا السياسي أو ذاك، كي يستطيع تحمل مسؤولياته تجاه الرعية، بدل تحويل هذه المسؤولية الى الجهات الحكومية المعنية… وبعض الموظفين تحولوا تاليا الى جباة عند الزعيم.

المحاصصة السياسية للمؤسسات الرسمية، أفضت الى كل هذا، فهي الناظمة للحياة السياسية في لبنان، وللمعادلات التنموية للمناطق.

والتسليم بهذا الواقع يعتبره البعض بمثابة حكم الضرورة، فعليك أن تتعايش مع السيستم اذا أردت المحافظة على وظيفتك أو موقعك في الوظيفة، والا فعليك أن تيمم وجهك شطر الرحيل، قبل الترحيل…

في بلاد الناس يجمعون الأموال لتصل الى السلطة، بينما في بلدنا الغالبية تذهب الى الوظيفة للحصول على المال.

المشاريع عندنا تؤخذ بما يسمونه مناقصات، ولو أنصفوا لسمّوها مزايدات، يربح المناقصة من يزايد أكثر بالدفع لمن يحمل مطرقة المزاد.

وبالطبع، هناك محاسبة ومعاقبة، لمن يقع في الفخ، خصوصاً اذا كان متهوراً وكثير الكلام… في هذه الحالة، تكون غلطة الشاطر بألف، فيترك لمصيره بين أسنان قانون العقوبات القاطعة، واذا أحسن التصرف وبالغ في التكتم، وأخذ الأمور بصدره، يأتيه العون من كل مكان.

في بلدنا ليس من حلول حاسمة أو نهائية، رغم ان التعامل مع الحلول كان يبدو وكأنها نهائية، وبعيدة عن التسويات.

مشكلتنا اننا في وطن تنقصه قناعات مواطنين به، لارتباطاتهم الطائفية أو المذهبية بما يتعدى حدوده، لذلك لم تقم الدولة بالمفهوم الصحيح للدولة، واستمرت على بنائها الأساسي، دولة عقود واتفاقات وتسويات، وهي لا زالت كذلك، رغم الحروب والأزمات، فدولة الشراكة تستمر بالتسويات، والتسويات تبادل منافع، لا مبادئ، واتفاقات لا قناعات.

واذا هالغزله غزلتك، حرير بدك تلبسي…