IMLebanon

بعدما نخر الفساد كل مفاصل الدولة لبنان بات في حاجة إلى حُكم الأيدي النظيفة

الفساد الذي تطالب كل الشعوب بمكافحته بات آفة عالمية خصوصاً في هذا العصر، لكن الفارق هو بين دول تحاسب وتحاكم الفاسد ودول لا تحاسبه ولا تحاكمه لا بل تكرّمه أحياناً… ولبنان هو بين هذه الدول، فمنذ أن وضع “قانون من أين لك هذا؟” لم يحاسَب أحد، ولم يحاكم أحد، ولا عهد حاسب عهداً سابقاً بل كانت عبارة “عفا الله عما مضى” هي التي تطوي صفحة وتفتح صفحة جديدة، وهذه العبارة هي التي شجعت على تفشي الفساد في كل مفاصل الدولة، ولا سيما هذه الأيام على رغم أن مكافحة الفساد وضعت لها قوانين لا تحصى لكنها ظلت من دون تنفيذ.

لذلك فإن الحل العملي يكون برفع السرية المصرفية عن كل من يتعاطى الشأن العام وانشاء محكمة خاصة لمحاكمة المجرمين سواء كانوا قتلة أم مختلسين وفاسدين لأن المحكمة الخاصة تسرّع في إصدار أحكامها وليست كالمحاكم العادية التي قد لا تصدر أحكامها أحياناً إلا بعد وفاة من تحاكمه!

ومكافحة الفساد تبدأ ليس برفع السرية المصرفية فقط عن كل من يتعاطى الشأن العام، إنما بانتخاب رئيس للجمهورية له سمعته العطرة وتأليف حكومة الأيدي النظيفة، كلها نظيفة، لأن يداً واحدة غير نظيفة تفسد الحكومة كلها ومعها العهد. واذا كان لبنان فشل في مكافحة الفساد فلأن الحكومات التي تشكلت خصوصاً بعد حرب الـ75 راعت الازدواجية فأبقت عقلية الحرب سائدة ومتعايشة مع عقلية الدولة، فتم جمع بعض أهل الحكم بين سلطة الشرعية وسلطة الشارع، وبين الذهنية الميليشيوية وذهنية النظام والقانون، بحيث يكون وزير في الحكومة وفي الوقت عينه زعيم ميليشيا مما يحول دون تمكين النظام السياسي من فرض نفسه ومن تطبيق القوانين وإقامة دولة المؤسسات ومحاسبة الفاسدين والمفسدين.

إن المرحلة المقبلة من تاريخ لبنان يجب أن تكون مرحلة أمل وأمن وأمان، أي مع عهد جديد يتسع فيه العمل لكل القوى السياسية والاقتصادية الفاعلة داخل لبنان وخارجه وفي ظل النظام الديموقراطي والدستور والقانون، مع إحداث تغيير جوهري على مستوى الاداء السياسي والاداري والقضائي، وان يراعي تشكيل حكومة العهد الأولى التي تنبثق من مجلس نيابي جديد. تمثيل شتى فئات الشعب وأجياله مؤشراً لبداية التغيير والاصلاح الفعلي لا الكلامي، حكومة تطبق مبدأ الثواب والعقاب وتفعّل هيئات الرقابة وتعيد النظر في تعيينات موظفي الفئة الأولى، فتضع الصالح منهم في المكان الصالح، حكومة تكمل تنفيذ ما بقي من اتفاق الطائف، وتباشر ورشة عمل لتحقيق الانماء المتوازن ورعاية المناطق المحرومة رعاية خاصة، وتلزيم المشاريع بشفافية مطلقة منعاً لأي إهدار أو اختلاس. وإذا لم يكن مطلوباً من العهد العتيد محاسبة عهد سابق، فان عليه ان يجعل المحاسبة تبدأ برفع السرية المصرفية عن كل من يتعاطى الشأن العام لأنه الوسيلة العملية للحد من الفساد وليست التصاريح الورقية التي اعتمدت وكان تطبيقها فاشلاً، عهد لا يسمح بالتجاوزات والارتكابات ولا بالتساهل في تطبيق القوانين على الجميع، ويعطي كل مؤسسة الدور المحدد لها في الدستور بحيث لا تتدخل واحدة منها في شؤون الأخرى، أو تتجاوز مؤسسة صلاحيات مؤسسة أخرى، أو تتشابك الصلاحيات فتضيع الادوار والمسؤولين، ليتحقق الفصل التام بين السلطات مع الحرص على تعاونها.

لقد وصف الرئيس سليم الحص في احد مقالاته الفساد بأنه “آفة العصر”، وان “استشرى في لبنان واختلط الأمر عند الناس بين الاثراء غير المشروع والشطارة … وقلّما وجد بلد في العالم كان بريئاً من آفة الفساد، وان اي محاولة لمكافحة الفساد لن تجدي في اجواء لا تدين الفاسد أو المفسد، فلا بد من تعزيز القيم الاخلاقية في المجتمع. كما أن للمدرسة والتربية الوطنية دوراً في توطيد أسباب المناعة في المجتمعات في وجه تعاظم الفساد والافساد”.

وكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون مقالاً في “النهار” عام 2010 تحت عنوان: “المساءلة اساس النجاح” قال فيه: “من دواعي التفاؤل ان هناك اعترافاً متزايداً لدى القادة بالحاجة الى المزيد من المساءلة، فعلينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نكون مسؤولين أمام الفئات الأكثر ضعفاً وعلَّة ذلك واضحة من الناحية الاخلاقية”. وختم: “في زمن سمته التقشف يجب أن نتحلى بالحكمة في استخدام مواردنا القليلة، وليست المساءلة عملاً خيرياً بل هي تتبوأ موقع المركز من اي خطة انتعاش، والتركيز على حاجات الفئات الأكثر ضعفاً من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي ويرسي الأسس لعيش أكثر استدامة ورخاء في المستقبل”.