Site icon IMLebanon

الجمهورية اللبنانية ضحية فساد

 

 

 

تُـعّـدْ الأزمة اللبنانية بكل تشعباتها على كافة الصعُد المحلية والإقليمية والدولية خليطاً بين المصالح الخاصة والإقليمية والدولية وغياب التفكير الإبداعي السليم للذين يُمارسون مهنة السياسة في لبنان وفي ظل تغاضي أو عدم قدرة من بعض رجال الدين على مواكبة الأحداث نظراً لعدم خبرتهم في مجالات العلوم السياسية والعسكرية والأمنية ولتفرّدهم في الرأي ولغياب عامل المشورة الكافية التي بإمكانها ربما ترتيب الأوضاع بإتجاه خلاصي وفقاً للإمكانيات المتاحة.

واقع الأزمة اللبنانية مستفحــل في أكثر من إتجاه، والأمر الواقع أنّ الجمهورية بمؤسساتها الشرعية وشعبها أمام قادة رأي علمانيين وروحيين غير كفوئين (عفواً على التوصيف المستعمل، لكنه أمر واقع لا يمكن تجاهله بدليل سوء وأداء هؤلاء) وغير مُلمّين في التعامل مع إحتمالية الأزمة وجذورها، حتى غير قادرين على التخفيف من إمتصاصها وحلّها بالطرق الدبلوماسية الدستورية، وغير قادين على تحــويل مسار هذه الأزمة لإتجاه معيّن معاكس لواقعها، وعلى ما يظهر تسلسل الأحداث أنْ هؤلاء القادة الروحيين والزمنيين غير قادرين على تفكيك عناصر قوة هذه الأزمة المستفحلة على صعيد السيادة الوطنية وعلى صعيد التدمير الممنهج للمؤسسات الرسمية، علماً أن جميع هؤلاء يعتبرون أنفسهم «أمْ الصبي» ولكن عملياً هم «شياطين سياسة» على ما قاله لي مرجع ديني لعبَ دوراً مهماً في الحياة السياسية اللبنانية.

 

إنّ الذين يُمارسون السياسة في لبنان وبمشاركة رجال الدين هم على الأغلب ينطبق عليهم توصيف «براغماتيين» يتلوّنون ولا يقفون عند أي قيد دستوري أو قانوني، مؤشرهم الوحيد المصلحة الخاصة وهي غالباً ما تكون على حساب كل القيم والتعاليم السياسية والدينية… الإشكال الحقيقي وفق رأي لجنة الدراسات في مركز «PEAC» ينبع من النظر إلى السياسة المنتهجة على أنها مصلحية بعيدة عن ضوابط القانون والأعراف والأخلاق، وممارسوها براغماتيون بإمتياز. وهؤلاء الساسة (روحيين وعلمانيين) يستفيدون من جهل الرأي العام لكل المقومات السيادية ولحقوقه المعترف بها دولياً، ويُسخّـرون مواقفهم لخدمة مصالحهم الخاصة وبعضهم يسعى لتأييد مواقف «الممسكين بزمام الأمور خلافاً للنظام الديمقراطي» سواء أكان بالترغيب أو الترهيب أو الإقصاء أو الإحجام… وهذا أمر خطير لاحظنا نتيجته اليومية في وطن مليء بالظلم والفساد والإنتهاكات وتبدُّلْ المواقف والتلوّن والإنصياع الأعمى.

 

يُقدم لنا التاريخ اللبناني صوراً واقعية لرجال سياسة ورجال دين كان لهم تأثير سياسي كبير في جمهورية العام 1920 إذ دخلوا معترك السياسة من أوسع أبوابه وبكل الأدوات المتاحة وأذكر منهم على سبيل المثال (البطريرك الحويك – المفتي الجسر – البطريرك صفير – المفتي حسن خالد – الشيخ صبحي الصالح – الشيخ أحمد عساف… واللائحة تطول)، وكانت وجهات نظرهم الوطنية متطابقة حول طبيعة النظام السياسي اللبناني حول حريته وسيادته وديمقراطية نظامه، وكل ما يتعلق بأسُس الإستقلال وحركة اللبنانيين الديمقراطية وحفظ إستقلال الوطن ومنع التدخلات في شؤونه. هذا على صعيد بعض رجال الدين، أما لناحية رجالات الوطن فنذكر منهم على سبيل المثال (الرئيس كميل شمعون – الرئيس سليمان فرنجية – الرئيس صائب سلام – الرئيس حسين الحُسيني – الأستاذ كمال جنبلاط – الأمير مجيد إرسلان…) هؤلاء كانوا الرمز وأبطال يشكّلون محل توافق ووفاق، وعرفوا بأنهم مرجعية وطنية وملاذًا لكثير من اللبنانيين.

الجمهورية اللبنانية ضحية فساد الساسة رجال دين وعلمانيين ولكي نصحح هذا المسار الإنحداري نعتبر ونظراً للعديد من الدراسات التي تلقيناها من مراكز أبحاث لبنانية وعربية ودولية، أنّ الجمهورية اللبنانية بحاجة إلى رجال دولة علمانيين وروحيين يستطيعون أن يديروا المؤسسات ويبنوا الجمهورية المنشودة.

إنّ ما هي بحاجة إليه الجمهورية اللبنانية اليوم ليس زعيماً دينياً أو زعيماً وطنياً أو قائداً، إنّ الأولوية هي لبروز عقل وطني لبناني عملاق قادر على الحكم الرشيد في هذا الزمن العصيب وفي أيام المحــل التي نعيشها. نريد هذا العقل الوطني الذي يُناهض هذه الذهنية العصبيّة والغرائز والأيديولوجيات التي فرّقت بين اللبنانيين، عقل وطني يقف سدّاً منيعاً في وجه الإستغلاليين والطائفيين والمذهبيين والمتزّعمين الذين يتلاعبون بالوطن والدين ليجدوا مكاناً يديرون منه لعبة سمجة.

* كاتب وباحث سياسي