كل يوم، ننتظر نتائج أعداد مصابي الكورونا، فلقد وصلت الأعداد إلى قرابة الـ5500 حالة كل يوم، أما عالميًا، فلقد حّل لبنان في المرتبة الثالثة في نسبة عدد المصابين، طبعًا، الكثير يقوم بإلقاء اللوم على الحكومة، وعلى رأسهم وزير الصحة الذي أثبت عدم كفاءته في إدارة الملف الصحي، وخصوصًا الكورونا الذي انتشر بشكلٍ رهيب. ولكن هناك من يقول، أن الدولة أدت واجبها ضمن الإمكانيات الموجودة، في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة، وتدهور للعملة الوطنية، فالمسؤولية تقع على عاتق المواطن الذي أثبت رغم كثرة شهاداته الأكاديمية والعلمية، فلا يزال هناك قسم من الناس، الذي يقول أن الكورونا ما هو إلا مؤامرة من السلطة، من أجل إطفاء وهج الثورة وطمس معالم وحقيقة إخفاق الدولة في قضية تفجبر المرفأ والانهيار الاقتصادي, ولكن من المسؤول عن هذا الانهيار في البلد؟ السلطة أو الشعب؟ من الفاسد بينهما؟
«الشعب مصدر السلطات»، إنها قاعدة أممية قامت عليها فلسفة الديمقراطية، التي اجتاحت العالم بأسره بعد الثورة الأميركية في سنة 1776 ثم تلتها الثورة الفرنسية، التي كانت أكثر انتشارًا وتأثيرًا على الأنظمة السياسية العالمية، وكما هو معلوم، فإن فرنسا قامت بتصدير ثورتها إلى كل أنحاء أوروبا، حيث أدت إلى إندلاع الحروب البونابرتية، ولكن هذه الثورة كانت نتاج أفكار تنويرية وفلسفية أدت إلى قيام أولى ديموقراطيات العالم، بعض أثينا في العصر الحديث، فكلمة ديمقراطية هي كلمة، يونانية الأصل، تعني الحكم للشعب, فهذه الظاهرة وصلت إلى بلادنا العربية وأصبحت، جزءًا من دساتير دول المنطقة، ففي لبنان, إن مقدمة الدستور تنص، على أن لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، ولكن هذه الديمقراطية، لم تقتصر على غزو البلاد العربية، إنما على إفريقيا ودول عالم الثالث، ولكن هل كانت تلك الشعوب تستحق الديموقراطية وحكم نفسها؟
بدأت مرحلة غزو الأوروبي للعالم، بعد سقوط غرناطة والأندلس، وهذه الظاهرة أصبحت بوصلة التنافس بين الدول الأوروبية، لاقتسام دول العالم الفقير وتركة الرجل المريض أي الدول العثمانية، وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى، تم إرساء قانون استعماري جديد، بطريقة مبطنة سُميت الانتداب، وعندما انتهى الانتداب، وقررت الدول الإنسحاب، كانت قد أرست فلسفة الديموقراطية، ولكن كانت الشعوب تلك، غير مُهيأة لاستلام الحكم، بسبب إنتشار الجهل والفقر، فالغرب جاء إلى عالمنا، من أجل نهب الثروات، وتدمير القيم المجتمعية، ولم يهيئ المجتمع لقيادة نفسه، فأصبح الحكم للجهل، ثم ظهرت العولمة التي اجتاحت العالم، ليصبح العالم الثالث أسواقاً مفتوحة أمام توحش رأسمالية العالم الصناعي.
تلك الديموقراطيات، أنتجت طبقة سياسية جشعة ومتغطرسة، أوصلت المجتمعات العربية إلى حافة الهاوية، وأصحبت مجتمعات غير مستقرة نسبية، تعيش على ثوراتٍ في كل فترة من الزمن، وخلع حكامها وإقامة الفوضى المتنقلة، على سبيل المثال، الجزائر والثورة 1992, والعراق التي شهد عدة انقلاباتٍ دموية، ثم سوريا ومصر، هذه بعض النماذج. فلنأخذ النموذج المصري، نجحت جوقة إعلامية بخداع شعب تعداده 100 مليون، فشيطنت الثورة المصرية ودفعت وسهلت، لشريحة من المصريين بقيادة الجيش وبمباركة المؤسسات الدينية الرسمية الإسلامية والمسيحية، الانقلاب على رئيس شرعي مُنتخب، بينما صمتت معظم قطاعات الشعب المصري، إزاء ما يحدث، ولم تحاول التصدي لهذا الانقلاب الذي يدفع ثمنه اليوم حتى الذين دعموه وشاركوا فيه.
في لبنان، ذلك الفساد المنتشر في كل دائرةٍ من دوائر الدولة، في كل المؤسسات، في كل الوزارات، وفي كل شيء، حتى في القطاعات الخاصة، ترى الرشاوى والسرقات والسمسرات، فهذا دليل على أن الفساد متفشٍ في الإنسان، في فكره وفي نمط حياته، وذلك جلياً من خلال الأمثلة الشعبية المتداولة مثل: «الكذب ملح الرجال»، طبعًا هذا المثل هو عنوان الانحطاط الفكري الذي تمر فيه بلادنا بعد سيرورة من الهبوط الحضاري والإنساني، فكان إنعكاسه على السياسية والدولة عمومًا.
إن كورونا، فيروس عالمي فتّاك، حتى الدول الكبرى، غير قادرة على احتوائه بمفردها، ولكنها تعوّل وتعتمد على وعي شعوبها، من خلال إتباع التباعد الاجتماعي والتزام الحجر الصحي، طبعًا، الفقير لا يُلام على أي شيء، ولكن الكورونا أظهرت مدى سخافة شعوبنا وخصوصًا من يدعون أنفسهم مثقفين، أظهرت أن الديموقراطية الزائفة هي المسؤولة عما وصلنا إليه، أظهرت أن فساد الحكام من فساد الشعب, فإن الحاكم الفاسد يحتاج لرعية فاسدين، فهو لا يستطيع أن يستمر بالحكم في بيئة صالحة لأنها ستقاومه وتتصدى له وربما تسقطه، لهذا نراهم يستميتون في محاولة إفساد المجتمعات بالتدرج أحيانا، وبطريقة الصدمة في أحيان أخرى متسلحين بالفاسدين من أبناء المجتمع ونخبه المزيفة التي صنعتها الأنظمة لتستخدمها في التسويف وقلب الحقائق والتدليس على الناس. فاليوم، أي أنسان متنور يسعى إلى قول الحق، فالعدو الأول الذي سوف يواجهه، هو بيئته ومجتمعه المحيط به قبل السلطة السياسية, يقول عبد الرحمن الكواكبي صريع الحرية: «المستبد يسره غفلة الشعب، لأن هذه الغفلة سبيله لبسط سلطانه عليهم»، هذا هو واقعنا، نحن أمةٌ لا تستحق القيادة، فنحن بحاجة إلى التنوير والتعلم والتربية كي نؤسس عائلة سليمة، ثم مجتمع إنساني قابل لفهم العلوم السياسية ثم نستطيع وقتها أن ننتقل إلى حكم الديموقراطية. خلاصة القول: إن فساد السلطة نتاج فساد الشعب الذي اختار ممثله الفاسد.