اثبتت القوى الأمنية في تظاهرة يوم السبت المنصرم، التي دعا اليها عدد من تجمعّات المجتمع المدني احتجاجاً على فشل الحكومة في معالجة موضوع النفايات، ان هذه القوى، قادرة على التعامل مع مثل هذه التظاهرات بكثير من الوعي والحكمة والاستيعاب والحزم عندما تدعو الحاجة، ويشذّ بعض الافرقاء عن الانتظام العام، ويلجأون الى العنف واثارة الفوضى، وبالتالي فان الاصابات العديدة التي لحقت بعناصر قوى الامن يومي السبت والاحد، 21 و22 الجاري، هي الشاهد الحيّ على ان الاتهامات الموجهّة الى هذه العناصر، هي اتهامات ظالمة، ومبالغ بها، ولا تستقيم مع مستوى العنف الذي مورس ضدها من قبل فئة، لم تشارك الا لخلق صدام دام، يجيّر لخدمة اهداف سياسية ضد وزراء محددين بانتمائهم السياسي والمذهبي بعيداً من موضوع الفساد والنفايات، والسؤال لماذا تم استثناء وزراء آخرين من الاتهام والدعوة الى استقالتهم، رغم فشلهم في وزاراتهم على مدى سنوات طويلة، ما يدفعني الى سؤال قيادات التنظيمات المتظاهرة ما هي المعايير التي استندت اليها لتصنّف السياسيين بالفاسدين والفاشلين والمقصّرين، وتعمم هذا الاتهام على الجميع، حتى على الذين لم يشاركوا في الحكم، او شاركوا وكانوا شرفاء في ما انجزوه؟؟
اما بالنسبة الى تظاهرة يوم السبت، فهناك عدد من الملاحظات يمكن استخلاصها من نوعية المشاركين ومن اختلاف اهدافهم، فقد لوحظ ان اعداداً كبيرة من المشاركين هي من جمهور انتفاضة 14 اذار 2005، وتوافدها الى ساحتها، ساحة الشهداء، كان لايصال رسالة عتب وغضب ومساءلة الى عدد من قيادات 14 آذار، وخيبة أمل كبيرة من مواقف وسياسات وتصرّفات لم تكن بمستوى اهداف وتطلعات ونضالات وتضحيات جماهير ثورة 14 اذار، وشهدائها وجرحاها، وكان لوجود هؤلاء، على ما اظن، تأثير على نوعية المطالب التي خرجت بها التظاهرة، والتي تتطابق مع كثير من مطالب قوى 14 اذار، مثل انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة تكنوقراط، ووضع قانون انتخابات عصري على قاعدة النسبية، واجراء انتخابات شفافة وحرّة وفق ما نص عليه اتفاق الطائف وتعميم اللامركزية الادارية الموسعة، وغيرها من المطالب الاصلاحية.
الفريق الثاني المشارك في التظاهرة، فهو باكثريته يمّت بصلة القربى الفكرية لقوى 14 آذار، دون ان يكون من صلبها، فهو ينادي بالدولة المدنية، ومحاربة الفساد، وبشرعية الدولة، والانماء المتوازن، وبحصرية السلاح بيد الجيش والقوى الامنية، وبالامن والاستقرار.
الفريق الثالث، هو فريق خليط، من يساريين معتدلين، ويساريين ستالينيين، وبعض الذين تسلقّوا الاشتراكية، وهم على استعداد ليكونوا من جماعة النظام، يضاف اليهم من اوكلت لهم مهمة ايقاظ الفتنة بين اللبنانيين.
في نهاية الامر يبقى يوم 14 آذار 2005، عريس الايام في تاريخ لبنان القديم والحديث، وحتى اشعار آخر.