اذا توقفنا قليلاً لنحلل الأسباب التي أدت بنا الى الإنهيار والإفلاس، ووصول المجتمع الى هذه الدرجة من عدم القدرة على المحاسبة بينما تستمر عملية نهبنا يومياً، وكيف فشلنا في تحويل البلد الى بلد منتج، ولماذا لم نستطع إستغلال الموارد العديدة التي يملكها لبنان .
لا يكفي أن نقول أننا كنا ضحايا سلطة فاسدة أودت بنا الى الإنهيار، فالمسؤولية تطال الجميع بدءاً بالمواطن وصولاً الى أعلى سلطة في الدولة .
لقد تعودنا في لبنان على تسمية الفساد ومخالفة القانون بالشطارة، فيصبح من يتهرّب من ضريبة أو يؤمّن واسطة أو يدفع رشوة شاطر و»حربوق» و»بدبّر حالو» ، ويصبح التاجر الذي يغش، أو من يبني على أملاك الدولة، أو الموظف الذي جمع ثروة من خلال الحلوينات، شاطر، ويتحوّل من يلتزم بالقوانين ولا يدفع أو يقبل رشاوى الى ساذج وقليل الحيلة الذي لا يعرف من أين تؤكل الكتف .
الى درجة تحوّل من يريد أن يعمل في لبنان بحسب القوانين غير قادر على المنافسة وأن يحقق أرباحاً أو يزدهر، فيما غيره يحقق أرباحاً مضاعفة بسبب استعماله طرقاً ملتوية .
ونعطي مثالاً هنا ، تاجر يستورد بضائعه بطرق سليمة ويدفع ما يتوجب عليه من جمارك وضرائب من دون أي مواربة، فيما يلجأ العديد من التجار الى دفع «الحلوينات» والرشاوى لموظفين ومسؤولين لإدخال بضائعهم بتكاليف مخفضة للجمارك والضريبة (under invoicing)، في هذه الحال بات من يدفع ضرائبه ويستورد بطرق صحيحة خارج لعبة المنافسة لأن الأسعار الأخرى بالتأكيد أرخص من أسعاره، يضطر الى اعتماد سبل لا أخلاقية أيضاً اذا أراد الإستمرار .
وليتمكن من القيام بذلك، فهو يحتاج الى حماية سياسية، فيلجأ الى من يمثله سياسياً، إن كان زعيماً أو نائباً أو غير ذلك، فيؤمّن له الحماية، وبالتالي يصبح مديناً له، ويضطر أن ينتخبه في كل مرة، وطبعاً يصبح غير قادر على مساءلته في كل مرة. فيدخل الجميع في دوامة متواصلة لا يمكن لأحد التحرر منها.
هذا الواقع الذي أسس للفساد وباتت سبل المعالجة صعبة، لأن الدوامة متجذرة في قناعاتنا وممارساتنا.
وهنا أتوجه الى الجميع للتفكير في حلول تمكننا من كسر هذه الدوامة والتحرر منها للوصول الى المحاسبة والشفافية، والتي في ظلها يتحقق الإزدهار .
طبعاً تبقى الشفافية الحل الأول، ولكننا نحتاج أيضاً الى الإقتناع بأن احترام القانون والنظام (قوانين سليمة في صالح المجتمع) وعدم المواربة والتشاطر توصلنا الى تأمين الحقوق للجميع وتعميم البحبوحة.
وأيضاً من الحلول، أن يبدأ الأوادم بتنظيم أنفسهم لتعميم عقلية نظيفة تجعل من النظام والقانون في الدرجة الاولى، فتجتمع مجموعة من التجار الأوادم لتوقيع إتفاقية شرف وتعاون، والإلتزام بتطبيق القوانين عبر التجارة الشريفة. وتساندهم المؤسسات الإعلامية عبر الترويج للتجار الذين يلتزمون بالقوانين ويدفعون ضرائبهم وتفضح من لا يقوم بذلك، كما تنشر أسعار السلع من منشأها price of origin لفضح التلاعب.
هذه أفكار أولية تحتاج الى التطوير، لذلك نطلب من الجميع مشاركتنا بحلول فعالة ومبتكرة لأننا قادرون على تغيير واقعنا السيء، فهذا الواقع ليس قدر اللبناني ولا مصيره، فنحن نملك الخبرات والأفكار التي تمكننا من خلق اقتصاد متطور نظيف ومنتج يضاهي أي اقتصاد ناجح في العالم .
كما انه يجب التنبه الى أن إيقاف الفساد والهدر ودفع الرشاوى والحلوينات سيؤذي مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين تعودوا على أن يكون دخلهم الأساسي من الحلوينات والرشاوى، لأن معاشاتهم الرسمية معدومة، ولا تمكنهم من عيش حياة كريمة، والدولة تعرف أن معاشاتهم معدومة، وبالتالي يلجأون الى الرشوة ليتمكنوا من الإستمرار، لأنهم لا يملكون خيارات أخرى. وبالرغم من أن هذه الطرق لا أخلاقية إلّا أنه يجب إيجاد حل دائم لهم وإلّا نتسبب بأزمة إجتماعية .
وهناك حلول فاعلة، نذكر منها مثلاً ما قام به اللواء جميل السيد في المديرية العامة للأمن العام، حيث أنشأ صندوقاً، يدفع من يريد إنجاز معاملته بسرعة مبلغاً، وتتوزع مداخيل الصندوق بين كل الموظفين. هذه إحدى الحلول، وندعو أيضاً من يملك حلولاً في هذا السياق مشاركتنا بها .
إن كسر دوامة الفساد والتشاطر تحتاج الى قناعة ثابتة بأن الشفافية والإلتزام بالنزاهة والتقيد بالقوانين، هي ما يوصلنا الى حقوقنا والى بحبوحة الإقتصاد، فقد جرّبنا الشطارة ووجدنا أنها أوصلتنا الى الهلاك والمهوار .