قراءة في ميادين اليمن وسوريا والعراق.. وتطورات الداخل السعودي
هل كان بمقدور «14 آذار» تقييد عون رئاسياً.. بتفاهمات ملزمة؟
إذا كان تفجير خلية الأزمة السورية ومحاولة اقتحام دمشق في تموز 2012، قد شكل منعطفاً في تعامل «حزب الله» مع الأزمة السورية، وصولاً إلى تقديم كل ما يعتبرها «أسبابا إستراتيجية موجبة» للانخراط في المعركة هناك، على قاعدة أن سقوط النظام «خط أحمر»، فإن مبادرة «حزب الله» للانخراط سياسياً في الأزمة اليمنية، وبأعلى السقوف غير المسبوقة منذ ولادته قبل نحو ثلاثة عقود من الزمن، له ما يبرره من وجهة نظره.
فالسعودية قررت وللمرة الأولى أن تغادر «وقارها» (خوض الحروب بطريقة غير مباشرة)، وشمّرت قيادتها الجديدة عن زنودها، وخاضت حرباً عسكرية بكل الأسلحة المتاحة، وبلا رحمة للأطفال والنساء والشيوخ، بهدف إحداث تغيير سياسي بالقوة في دولة جارة لها. هل كان ينبغي للحزب أن يسكت عن تلك «الفعلة»؟
في العقل الإستراتيجي للحزب وحلفائه أن السكوت يعني التشريع لدولة عربية ممارسة التدمير في دولة عربية وصولاً إلى قلب توازناتها السياسية. لذلك، صار الدفاع عن الحوثيين وحلفائهم، هو دفاع عن الذات في لبنان وسوريا والعراق.. وربما ساحات أخرى. من هذه الزاوية، رفع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الصوت عالياً، متجاوزاً كل السقوف في التخاطب مع «المملكة». صوت دفاعي من جهة، وتحذيري من جهة ثانية، على قاعدة «ترابط الجبهات»، لعل «التخويف» ورن جرس الإنذار يساعد في لجم الاندفاعات.
الخطر.. على السعودية
وللحرب على اليمن اعتباراتها السعودية الداخلية، عدا عن أهدافها اليمنية والإقليمية، فوزير الدفاع السعودي (ولي ولي العهد) محمد بن سلمان، يريد من موقعه كـ «صاحب سلطة ونفوذ» أن يترك بصمته ويأخذ دوره وينتزع مشروعيته في التركيبة الجديدة، فكانت اندفاعته اليمنية، أحد ملامح إعادة تكون السلطة في السعودية باتجاه الإمساك بكل مفاصلها، مع كل ما يمكن أن يستولده هذا المسار من ديناميات للصراع الداخلي.. وربما الانفجار في لحظة ما.
ليس خافياً على أحد أن الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز سعى الى تثبيت الاستمرارية ووضع ضوابط لعدم تفجير الوضع الداخلي بكل تناقضاته من خلال ضمانتي «هيئة البيعة» وصيغة «ولي ولي العهد»، غير أن الملك الجديد السديري سلمان بن عبد العزيز، انقلب على «التخريجة» بتعطيل دور الهيئة وإطاحة مراكز نفوذ أولاد عبدالله والمقربين منهم، وأبرزهم رئيس الديوان خالد التويجري. كانت الرسالة واضحة: أريد ترك بصمتي ولست مجرد مرحلة انتقالية ولا مجرد امتداد لملك سابق. وبالفعل، لم تمض فترة طويلة حتى استكمل الانقلاب بإعفاء مقرن من ولاية العهد وتقديم محمد بن نايف ومن بعده محمد بن سلمان وخلع سعود الفيصل من موقعه التاريخي، من دون أن يحل محله أحد من أولاده أو أولاد فيصل كما كان متوقعاً.
السعودية محبطة من أوباما
في المحصلة تم فتح صفحة جديدة، لم يكن الأميركيون بعيدين عنها، ما دام أن أمثال محمد بن نايف (الداخلية) وعادل الجبير(الخارجية)، في صلبها. والدليل الآخر، تلك الاستفاقة المفاجئة وصولا إلى شن حرب مفتوحة ضد الخلايا الإرهابية النائمة على أرض السعودية. يتصل ذلك بمعطى أمني استخباري توصل إليه الأميركيون قبل نحو سنة ونصف السنة، باكتشافهم أن أموالا وأسلحة كانت ترسل من السعودية إلى المعارضة المسلحة في سوريا، سرعان ما تبين أنها باتت بحوزة مجموعات إرهابية تنتمي إلى «القاعدة» في السعودية نفسها!
هذه «الحرب» تعطي مصداقية إضافية إلى محمد بن نايف، لكن يجب أن تبقى العين مفتوحة على المدى الذي سيبلغه «خيار الأمن» في التعامل مع ملفات في الداخل السعودي نفسه، كما في الإقليم، سواء بعلم الأميركيين أو بـ «تفهمهم» (على حد تعبير باراك أوباما) كما حصل مع «عاصفة الحزم»، وهذا أدنى مستوى من التأييد الأميركي، لا بل من رفع المسؤولية، خصوصاً أن منسوب الإحباط السعودي من تعامل الإدارة الأميركية مع عدد من ملفات المنطقة قد بلغ نقطة الحذر والجفاء، في أيام الملك عبدالله.
الحوثيون.. ومطالبهم المتواضعة
هنا تبدو الأمثلة كثيرة، وأبرزها عدم تجاوب الأميركيين مع رغبة السعودية وحلفائها في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، سواء على خلفية ملف السلاح الكيميائي أو في سياق قرار إنشاء «التحالف الدولي» بحيث تكون وجهته العسكرية مزدوجة ضد «داعش» في سوريا والعراق وضد النظام السوري في آن معاً (لا بل أقدم الأميركيون على التنسيق غير المباشر أمنياً مع النظام السوري في موضوع بنك الأهداف على الأراضي السورية)، فضلاً عن عدم تجاوب الأميركيين مع كل محاولات السعوديين لعرقلة مسار التفاهم النووي.
حتى في اليمن، وبرغم واجبات الحد الأدنى أميركياً مع «عاصفة الحزم»، ثمة قناعة لدى الإيرانيين وحلفائهم أن «أنصار الله» لا يملكون مشروعاً لقتال الأميركيين ولا لتجاوز حدود اليمن وتهديد أمن دول الجوار ولا لإقفال الممرات البحرية (باب المندب). هم خاضوا ستة حروب متتالية وانتصروا فيها وحدهم ومن دون أي سند خارجي. أقصى طموحهم ليس تنفيذ انقلاب ولا الإمساك بالسلطة بل الحصول على حصة فيها. هذا المنطق تفهَّمه الأميركيون خصوصاً أنهم يشهدون للحوثيين أنهم لعبوا دوراً إيجابياً في مواجهة «القاعدة» على أرض اليمن.
ولعل مشكلة السعوديين وحلفائهم مع الأميركيين في هذه النقطة، هي في اعتمادهم خطاباً وسلوكاً مزدوجين: هم ضد «القاعدة» في السعودية، ولكنهم يتحالفون معها في بعض دول المنطقة مثل سوريا. أي أنها صارت وظيفة، وهذا يسري على دول أخرى حاولت توظيف «القاعدة» تبعاً لمصالحها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، اقتحام «داعش» الموصل، بهدف السعي لإسقاط نوري المالكي، قبل أن يتجاوز أبو بكر البغدادي الخط الأحمر بإعلانه «الدولة الإسلامية»، خلافاً للوظيفة السياسية والعسكرية.. الأصلية.
سوريا في ثلاجة الانتظار
طبعاً، ثمة تقدير بأن الاتفاق النووي سينجز قبل نهاية حزيران المقبل، من دون استبعاد خيار تمديد المفاوضات، وهو الأمر الذي أشار إليه السيد علي الخامنئي مؤخراً، لكن إذا كانت الوجهة نهائية، فإن الطرفين الأميركي والإيراني سيبدآن بمناقشة ملفات المنطقة، فما هي أولوياتهما وكم تحتاج إلى وقت؟
وفق معلومات المتابعين في «حزب الله»، فإن قضايا المنطقة تحتاج إلى سنوات وليس إلى أسابيع أو أشهر، وستتم مقاربتها بالمفرق وليس بالجملة أو ضمن سلة واحدة. الأولوية للعراق عند الأميركيين (القضاء على «داعش»)، يليه على الأرجح ملف اليمن، من دون القدرة على تحديد سقف زمني لهذا أو ذاك من الملفات. أما لبنان فإنه في آخر السلم والاهتمامات، ولن تكون التسوية فيه منفصلة عن مسار الأزمة في سوريا الموضوعة في ثلاجة الانتظار والتي تحتاج إلى سنتين وربما أكثر.
لا قلق لدى حلفاء سوريا من مسار التطورات في الميدان السوري، برغم إقرارهم بحصول انتكاسات، سواء للنظام في بعض مناطق الشمال (إدلب وجسر الشغور)، أو للمجموعات المسلحة في بعض مناطق الجنوب، لكنهم يضعون هذه وتلك في خانة «تحسين المواقع ورفع المعنويات وليس تغيير موازين القوى».
يسري ذلك على عملية القلمون التي ستكون كبيرة جداً «وقريبة جداً جداً». أما الهدف، فهو «تحصين القرى اللبنانية وقرى القلمون السوري.. وتحسين المواقع». تأخذ المعركة اللبنانية ـ السورية هناك، ما تم رصده عن وجود استعدادات لدى المجموعات المسلحة لاسترداد قرى في القلمون مثل فليطا وعسال الورد بهدف توسيع بقعة انتشارها وعدم حصرها في الجرود.
مفتاح الرئاسة في الرابية
ومثلما يتيقن حلفاء سوريا من «استعادة إدلب قريباً»، فإنهم يستبعدون احتمال إشغالهم بمعركة ثانية، كالمقلب الشرقي لمزارع شبعا، «فالجغرافيا لا تساعد المجموعات هناك ولا البيئة الشعبية، وثمة خطوات احترازية متخذة منذ شهور». في النهاية، تبدو المعادلة على الشكل الآتي: «لا تعديل أساسياً في موازين القوى، ليس لأن النية غير موجودة، خصوصاً عند المعارضة وداعميها الإقليميين، بل بسبب انتفاء القدرة».
لن يؤثر التفاهم النووي على «حزب الله» وموقعه السياسي، ولا علاقة للتفاهم لا برئاسة ولا بأي تسوية في لبنان. أما مرشح «حزب الله» للرئاسة فهو العماد ميشال عون، وكل من قرع باب الحزب جاءه الجواب نفسه. هل كان بمقدور «14 آذار» التعامل بطريقة مختلفة مع ترشيح «الجنرال»؟ يجيب أحد المتابعين للملف الرئاسي «نعم كان بمقدورهم أن يتبنوا الترشيح بعد تكبيل العماد ميشال عون بمجموعة تفاهمات يكون ملزماً بها».
اذا توفر الحل السياسي في سوريا، وهو أمر مستبعد في المدى المنظور، ينتفي مبرر حضور «حزب الله» هناك. المهم أن مظلة الاستقرار في لبنان قائمة ومستمرة ولو أن لكل طرف مبرراته وحساباته وفوائده من هذا الاستقرار. في هذا السياق، يستمر تمسك الحزب بالحوار، ولو أنه لا يعول على نتائجه، بقدر ما يعول على الحوار بذاته. الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية، إيجابية وسيكون الحزب متعاوناً معها ويأمل بأن تكون نتائجها ممتازة.