IMLebanon

هل يمكن الرهان على «دوحة» مصريّة؟

في اللحظة الحرجة التي يجتازها الحوار، جاءت المهمة المصرية الطارئة. فهل ينجح سامح شكري في إحداث الخرق الممكن، حيث كلّ المعطيات الأخرى توحي بالتعثُّر؟

لعلّ المؤشّر الأوّل الذي يمكن التعويل عليه في زيارة وزير الخارجية المصري هو أنها تستغرق ثلاثة أيام وتشمل مجمل المسؤولين وقادة الأحزاب والتيارات.

وهذا يعني أنّ زيارة الرجل ليست عابرة، وأنه يرغب جدّياً وبهدوء في تكوين تصوُّر معيَّن لتسوية لبنانية، تساهم فيها القاهرة. ويمكن أيضاً أن يكون في جيب شكري مشروع تسوية، بالخطوط العريضة، وقد جاء إلى بيروت للبحث في تفاصيله.

وتنسجم مهمة شكري تماماً مع الاتجاه الذي تسلكه القاهرة، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، والرامي إلى استعادة الدور المصري الإقليمي.

فمنذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كانت معادلة القوة في الشرق الأوسط العربي وأنظمته قائمة على التوازن ما بين مصر وسوريا، كقوتين سياسيتين وعسكريتين، والسعودية والمنظومة الخليجية كقوة مالية.

لكنّ تحوُّلات «الربيع العربي» أضعفت الثلاثي العربي مصر- سوريا- السعودية في آن معاً، ورفعت مستوى التدخّل الذي يمارسه الثلاثي الإقليمي (إسرائيل، إيران، تركيا)، وطبعاً الولايات المتحدة وروسيا.

اليوم، يقيم السيسي توازناً في علاقة القاهرة مع المحورَين العربيّين المتصارعَين: دمشق والرياض، وفق ثوابت الحفاظ على «الستاتيكو» الذي كان قائماً قبل اندلاع الحروب العربية الداخلية. وهذا يقتضي صيانة استقرار سوريا والعراق والأردن ولبنان وليبيا واليمن والخليج العربي، ومنع سقوط الأنظمة بالقوة وتفكُّك هذه الدول، والتحضير لتسويات سياسية.

ومن هنا يُفهَم الموقف العنيف الذي عبَّر عنه شكري أخيراً ضد التدخّل التركي في شؤون مصر، وتحفُّظ السيسي عن الانخراط في الحلف السعودي- التركي في بعض المراحل، والسعي لدى إسرائيل لإقناعها بألّا يكون تقاربها مع أنقرة مَطيّة لتركيا كي تدعم «الإخوان المسلمين» في مصر و«حماس» في غزة، فيما المصلحة المصرية- الإسرائيلية المشترَكة تقتضي التنسيق في هذا المجال.

واستطاعت مصر في عهد السيسي أن تحظى برصيد مقبول لدى السعودية وإيران في آن معاً، وهو ما تحاول الانطلاق منه للعب دور في إطفاء الأزمات العربية، ولاسيما سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان، حيث يعلن حلفاء إيران تشجيعهم للدور المصري الذي يفوق الدور السعودي حياديّة.

ولا يرقى الشكّ إلى كون مصر مرجعية أساسية للطائفة السنّية في لبنان، وهي لذلك اضطلعت بدور فاعل في التسوية التي أوصلت شخصية دينية تمتاز بالاعتدال هي الشيخ عبداللطيف دريان إلى دار الفتوى.

وفي الأشهر الأخيرة، تكثّفت الاتصالات بين قوى ومرجعيات أساسية في فريق 8 آذار مع القاهرة لتشجيعها على الاضطلاع بدور في ابتكار تسوية لبنانية. لكنّ السخونة العالية التي تميَّز بها الملف السوري، سياسياً وعسكرياً، كانت تلفح أيّ محاولة للتسوية في لبنان. وتبيَّن أنّ أحداً لم يكن مستعداً لتقديم التنازلات، انتظاراً لما ستؤول إليه المعادلات في سوريا، فيبني التسوية على أساسه.

اليوم، يدرك الجميع أنّ الوضع السوري وصل إلى مرحلة يعجز فيها أيّ طرف عن الحسم. ولذلك، بات ضرورياً اقتناع الجميع بالتسوية. ويتوقع المتابعون أن تلعب القاهرة دوراً في هذا المجال، ولاسيما بعد تبلور النتائج التي ستفرزها معركة حلب.

وأما في لبنان، فالمهمة التي تؤدّيها القاهرة تصبّ تماماً في مصلحة الحوار. وجولة شكري الاستطلاعية تسبق جولة الحوار الثانية المقرَّرة في 5 أيلول المقبل. ولذلك، إنّ المستفيد الأوّل من الحراك المصري هو الحوار الذي يدور في حلقة مفرغة، فيما لا يبدو في الأفق ما يوحي بالخروج بالتسوية المطلوبة، أي ما يسميه الرئيس نبيه بري «السلّة المتكاملة».

ووفقاً لبعض المتابعين، إنّ الوزير المصري لا يحمل صيغة جاهزة للتسوية، بل أفكاراً معيّنة قابلة للتطوير والتفاوض، ويمكن أن تشكّل أساساً يرضى به الجميع. وأمامه مهلة الأيام الثلاثة للحصول على أجوبة في شأنها.

وفيما يستعجل الرئيس بري تحقيق تسوية قبل الخريف لأنّ ذلك سيؤخِّر التسوية إلى مدى غير محدّد، يستعجل المصريون تحقيق إنجاز يكرّسون فيه انتصاراً ديبلوماسياً يعيدهم بقوة إلى المعادلة الشرق أوسطية، عن طريق «دوحة لبنانية» جديدة، ربما تولد في بيروت أو في مصر.

ويكشف بعض المطلعين أنّ التصوُّر المصري للتسوية يقوم على انتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بمكانة مرموقة وقادر على محاورة الجميع ويحظى بدعمهم واحترامهم، وعلى إنعاش المؤسسات الدستورية بدءاً بالمجلس النيابي والحكومة، ضمن معيار توافقي لا تشعر فيه أيّ فئة بالتحدّي. وقد يعني ذلك أنّ الرئيس اللبناني العتيد ليس من الأقطاب، وكذلك رئيس الحكومة.

ويمكن القول إنّ المهمة المصرية تحظى بنصف ضوء أخضر في لبنان، وربما يستلزم إنجاحها مزيداً من الجولات والمشاورات على خط بيروت- القاهرة، بالتزامن مع جولات الحوار اللبنانية.

لكنّ السؤال المطروح: هل ستسمح المحاور الإقليمية المتصارعة للقاهرة بتحقيق هذا الإنجاز في لبنان وتجييره إلى رصيدها السياسي؟