Site icon IMLebanon

«المجلس» في التوقيت الخطأ

على رغم انه يتحدّر من بلدة تعلو ١٢٠٠ متر عن سطح البحر، إلّا انه يتمتع بليونة سياسية فائقة أتاحَت له إدارة عملية التنسيق بين مكوّنات ١٤ آذار والاستمرار في موقعه منذ قيام أمانة ١٤ آذار في العام ٢٠٠٨. ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل أخطأ الدكتور فارس سعيد بإصراره، خلافاً للمعتاد، على خطوة إنشاء «المجلس الوطني»؟

تلتئم الهيئة التأسيسية لـ«المجلس الوطني لمستقلّي ١٤ آذار» بعد غد لانتخاب الرئيس والهيئة السياسية، في خطوة تكمن أهميتها في جانبين: تفعيل المساحة المشتركة داخل ١٤ آذار، هذه المساحة التي لا تتأثر مبدئياً بالهواجس الفئوية وتُعلي باستمرار الاعتبارات الوطنية على الحساسيات الطائفية. وتفعيل الشخصيات المستقلة من خلال إيجاد إطار يُشعرها بوجودها السياسي، خصوصاً أنّ هذه الشخصيات تشكّل قيمة مضافة داخل الحركة الاستقلالية.

إلّا أنّ صوابية الحكمة القائلة «أن تأتي متأخّراً خير من أن لا تأتي أبداً» لا تنفي انّ التوقيت هو مفتاح النجاح، هذا التوقيت الذي لم يعد ملائماً اليوم للأسباب الآتية:

أولاً، إنتفاء الحماس والدينامية والحيوية بعد أكثر من عشر سنوات على «انتفاضة الاستقلال»، وهذا أمر طبيعي في أيّ حركة سياسية.

ثانياً، دخول مكوّنات ١٤ آذار في علاقات باردة أقرب إلى التعايش منها إلى التكامل على غرار السنوات الأولى، وكأنّ تحالفها تحوّل الى حاجة في غياب البدائل.

ثالثاً، إنكفاء مروحة واسعة من المستقلّين وابتعادهم عن ١٤ آذار.

رابعاً، تراجع العنوان السياسي للصراع لمصلحة العنوان الطائفي والمذهبي، بدليل الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله» والاعتداد بالنفس بأنه الحوار الوحيد بين السنّة والشيعة على مستوى العالم الإسلامي.

خامساً، صعود الهَمّ الطائفي إمّا على حساب الوطني أو بالتوازي معه بفِعل غياب الحلول للأزمة واضطرار المكوّنات الطائفية التعايش معها، فضلاً عن استفحال هذه الأزمة مع الحرب السورية وانخراط «حزب الله» فيها وبروز «داعش» وسقوط الحدود والكلام عن التقسيم.

سادساً، إرتباط الحل في لبنان بالحلّ في المنطقة، وتحديداً بالنووي الإيراني، وتوزيع مواقع النفوذ بين الرياض وطهران، ما يعني تعليق الأزمة حتى إشعار آخر.

سابعاً، تحوّل أولوية ١٤ آذار الحفاظ على الستاتيكو بانتظار ما ستؤول إليه تطورات المنطقة. فلا نيّة ولا استعداد لتحريك هذا الستاتيكو أو مباركة حراك ميداني يدفَع بهذا الاتجاه وتشجيعه.

فكلّ ما تقدّم وغيره، يدلّ الى أنّ اللحظة غير مهيّئة لولادة حركة جديدة، لا على مستوى ١٤ آذار، ولا على المستوى الوطني أو الخارجي، فضلاً عن أنّ المولود الجديد يعاني عطباً موروثاً يتّصِل بالشيعة المستقلين، ولم ينجح بتقديم مقاربة جديدة لمشكلة عمرها من عمر «انتفاضة الاستقلال»، ومن دون التقليل من عامل غياب الشخصيات المستقلة السنية والدرزية أساساً، وتراجع الحماس المسيحي لمجموعة عوامل واعتبارات. وبالتالي، لا أفق سياسياً ولا حاضنة شعبية لأيّ إطار جديد اليوم.

وإذا كان هناك ضرورة في المقابل لعدم التسليم بالأمر الواقع وإبقاء المساحة المشتركة بين ١٤ آذار حيّة وفعّالة والتهيئة للمرحلة التي سَتَلي التطورات الخارجية، فإنّ النجاح النسبي لهذا المجلس مرهون بقدرته أن يكون «صوت الضمير» في ١٤ آذار، بمعنى ألّا يتحول مساحة لاستهدافات غبّ الطلب، بل أن يكون المؤتمَن على مبادئ هذه الحركة المتصلة بالبُعدَين الأساسيين للنظام اللبناني: السيادة، والشراكة الحقيقية بين المكوّنات الطائفية.

ولكنّ الأسئلة الأساسية المطروحة اليوم: ما فعاليّة هذا المجلس سياسياً ووطنياً؟ وما تأثيره في القرار السياسي داخل ١٤ آذار؟ وماذا سيبدّل في الخريطة السياسية؟ وهل باستطاعته الوصول إلى السلطة؟ وهل سيختلف شكلاً ومضموناً عن عشرات الأطر السابقة التي دأبَ هذا الفريق على إنشائها تِبعاً للحظة والمرحلة والحاجة والمصلحة؟

وعلى رغم أنّ الحراك أفضل من الجمود، لأن لا دينامية ولا تطوراً ولا تغييراً من دون حراك، فإنه لا يمكن التقليل من الأثر البالغ الذي يمكن ان تخلِّفه تحركات يكون مصيرها الفشل في وَضع مأزوم أساساً.

ويبدو انّ براغماتية سعيد لم تُسعفه هذه المرة، فظلّ متمسّكاً بفكرة إنشاء «المجلس الوطني» وكأنه تَحدّ شخصي، وذلك خلافاً للظروف الموضوعية المحيطة وغير المساعدة إطلاقاً، فيما كان بإمكانه وبسهولة أن يرفع المسؤولية عن نفسه ويحمِّل الأحزاب مجدداً مسؤولية عرقلة قيام هذا المجلس، وإبقاء الصورة المليونية المتصلة بلحظة ١٤ آذار في رصيده، في سياق ادّعاء أبوَّتِها من قِبَل المستقلّين، لا الحزبيّين، علماً انها لحظة وجدانية لبنانية نادرة وعابرة للترسيمات المستقلة والحزبية والمذهبية والطائفية. لكنّ سعيد قرّر أن يتحمّل تَبِعات الفشل، لا سمح الله، وحده، لأنّ النجاح في هذه الظروف غير مضمون بتاتاً.

فغلطة الشاطر بألف غلطة، وقد يكون «حكيم الأمانة» أخطأ باندفاعته في تأسيس مجلس فَعلت الأحداث فِعلها بتضخيمه، وتسليط الأضواء عليه، وتحويله إلى حَدث ومولود مُنتظر، فيما كل الظروف هي غير مهيّأة لإنشاء تجمّع سياسي صغير، فكيف بالحري إنشاء «مجلس وطني لمستقلّي ١٤ آذار».