Site icon IMLebanon

الاستنسابية عطلت مجلس الوزراء

 

 

صحيح ان السلطة القضائية مفصولة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن هناك دواعٍ وطنية عليا يجب الاخذ بها، ولا يُمكن لقاضٍ مهما علا شأنه، ومهما كانت صلاحياته، الا يأخذ بعين الاعتبار ان قراره عطل السلطة التنفيذية وأدّى الى عدم اجتماع مجلس الوزراء، نتيجة مقاطعة الوزراء الذين ادّعى عليهم، وأدى الى تعطيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والى شلّ السلطة التنفيذية حتى وصل سعر الدولار الى 29 ألف ليرة.

 

الدستور هو المرجع. صحيح انني لستُ خبيراً دستورياً ولا قانونياً، إلا انني لا أفهم كيف، ومنذ اليوم الأول لمعاودة المحقق العدلي طارق بيطار تولي صلاحياته، بعد محاولة كف يده، يُرسل مذكرة الى النيابة العامة التمييزية، تحت صفة العجلة والتنفيذ الفوري، لتوقيف الوزير السابق علي حسن خليل؟

 

لماذا العجلة؟ ولماذا التوقيف الفوري؟ في وقت تعيش البلاد في قعر الهاوية، ويعيش الشعب اللبناني في الظلام والجوع والضياع والفوضى، مع العلم انني كضابط سابق، راجعتُ خبراء متفجّرات، لهم تاريخهم المشرّف في الجيش اللبناني، وجميعهم أكدوا لي أن لا صاروخاً فجّر المرفأ، ولا يُمكن لجماعة اقتربت من العنبر 12 وأطلقت القذائف على نيترات الامونيوم، لأنهم مهما فعلوا لن ينجوا من الانفجار لأنه اسرع بكثير، والدليل أنه دمّر ثلث العاصمة بيروت، ولا آثار في التحقيق لمجموعة قتلى أو آلات هجومية وُجدت في مكان الانفجار.

 

الدستور وفق ما قرأناه، وتمّ اقراره في الطائف، أعطى مرجعية واحدة لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهذه المرجعية هي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي لم يتم تشكيله حتى اليوم، رغم انه قد مرّ سنة و5 أشهر على الانفجار. إذا لا بدّ من انشاء هذا المجلس، وعندئذ تتمّ محاكمة الوزراء أمامه وليس أمام المحقق العدلي، فرئيس الحكومة السابق والمستقيل الدكتور حسان دياب يمثل أمام هذا المجلس الذي حدّده الدستور وليس أمام القاضي بيطار.

 

ان مصالح الدولة العليا تفرض على القاضي بيطار وعلى الهيئات التمييزية، الا ينظروا بهذه القساوة الى الوزراء الذين ادّعوا عليهم، فهناك استنسابية في اختيار الوزراء المدّعى عليهم، ذلك ان كل المسؤولين والوزراء الذين تعاقبوا منذ وضع نيترات الامونيوم بالأطنان في مرفأ بيروت، من وزراء المال والدفاع والداخلية والاشغال، الى الاجهزة الأمنية الأربعة، ، وقادة الجيش، والمديرين العامين للأمن الداخلي، وكل القوى الأمنية وغيرها، والذين يفوق عددهم المئة شخصية يجب الادعاء عليهم أيضاً، وليس اختيار أشخاص بشكل استنسابي، حيث ادعى القاضي بيطار فقط على الوزراء السابقين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، وتمّ حصر الاستدعاءات بهم فقط، ولم تشمل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارات المال والداخلية والأشغال منذ 9 سنوات، ولم يصدر القاضي بيطار بحقهم مذكرات توقيف.

 

ماذا يقول رئيس الحكومة السابق الدكتور حسان دياب عندما يصرّ القاضي بيطار على توقيفه؟ وماذا يقول الوزراء علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ونهاد المشنوق، ويوسف فنيانوس غير «لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم». وماذا يفعلون عندما يرون أن الجهة الصالحة لمحاكمة الرؤساء والوزراء لم يتم تشكيلها بعد، ويدّعي عليهم المحق العدلي، وتبتّ الهيئة التمييزية بعدم كف يد البيطار بل تدعمه، وينفجر الصراع بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية.

 

أكبر القضاة، عندما يصدرون أحكاماً، يأخذون بعين الاعتبار النتائج ومصلحة الدولة العليا، خصوصاً لدى محاكمتهم شخصيات سياسية عليا التي ليست أعلى من القانون بالطبع، ولكن القضاة يضعون الاسباب التخفيفية اذا كانت تخدم مصلحة لبنان. ومصلحة لبنان هنا، أهمّ بكثير من مذكرة التوقيف التي اصدرها القاضي بيطار بحق الوزير علي حسن خليل، حيث طلب تنفيذ اعتقاله فوراً .

 

يجب تجميد التحقيق لمدة شهر كي تجتمع الحكومة. والمطلوب أيضاً من دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس الجمهورية والحكومة المباشرة في انشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وإحالة الدعاوى التي أصدرها القاضي بيطار بحق الرئيس دياب والوزراء، الى المجلس الأعلى المخصص، وفق الدستور، لمثل هذه المحاكمات.

 

ان قرارات البيطار تشعل ناراً أكثر من نار انفجار المرفأ، ولهيب نار المذكرات يجتاح لبنان كله، والغريب الا يرى القاضي بيطار هذا الأمر، ويعمل على اصدار مذكرة توقيف بحق الوزير علي حسن خليل تحت صفة العجلة والتنفيذ الفوري، كما لو ان الوزير خليل سيغادر لبنان أو هو فار من وجه العدالة، أو يُمكن أن يسافر هرباً من هذه المسألة التي هو غير ضالع فيها.

 

فاذا كان مقياس القاضي بيطار، ان من تولّى وزارات المال والداخلية والاشغال وغيرها مُتهمون، فعليه اذاً ان يدّعي على كل الوزراء الذي مارسوا السلطة قبل الانفجار، وعلى الاجهزة الأمنية ايضاً، لكنه يمارس الاستنسابية، وقراراته تحرق لبنان أكثر مما هو يحترق، والشعب اللبناني يحترق مع هذا اللهيب المترافق مع الجوع والفوضى واليأس وتدهور الرواتب الى أقصى حد، وسقوط العملة الوطنية، حتى أصبحت الرواتب لا تعني شيئاً، اضافة الى فقدان الأدوية وهجرة الشباب، وضعف الجسم الصحي والطبي نتيجة هجرة الأطباء والممرضين.

 

قرار القاضي بيطار اليوم بشأن توقيف الوزير علي حسن خليل، هو قرار لا يُفيد الحقيقة، ولا نعرف كيف يفكر القاضي بيطار ليفعل ذلك.