بعد جلسة مجلس الوزراء في بعبدا وما شهدته من خلاف على التعيينات في المجلس العسكري يعود مجلس الوزراء للانعقاد اليوم في السراي الحكومي بجدول أعمال عادي. وهو أمر يريح الوزراء ممن يتهيّبون فكرة انتقال مجلس الوزراء إلى بعبدا. يقول أحدهم مصارحاً زميله: «لما تطلع جلسة الحكومة على بعبدا بخاف. يعني ذلك بنود من خارج جدول الأعمال ومشروع مشكل وضرب أخماس بأسداس». لكن جلسة الحكومة في السراي اليوم لا تعني القفز فوق مجريات الجلسة الأخيرة بالتعيينات التي شهدتها. يؤكد مصدر وزاري رفيع أن مفاعيل القرارات التي صدرت مؤخراً قد تعطلت، وأن الثنائي الشيعي أبلغ المعنيين أن وزير المالية يوسف الخليل لن يوقّع مرسومها، ويقول: «آثر الثنائي عدم افتعال مشكلة لأن الوضع لا يحتمل لكن التوقيع لن يحصل».
بقراءة الثنائي الشيعي، كان لا بدّ من التصدي لمثل هذه القرارات لاعتبارات أهمّها أنّ العودة إلى طاولة مجلس الوزراء كانت مشروطة بنقاش بنود الموازنة وخطة التعافي وأمور حياتية، ولأنّ التعيينات أقرّت من دون عرضها مسبقاً على طاولة النقاش واستباقاً لأيّ توافق سياسيّ بشأنها ومن دون علم وزير الدفاع، وتم تظهيرها وكأن هناك جهة تحاول جرّ الثنائي إلى مشكل جديد بدليل طريق طرح التعيينات تسلّلاً وإقرار الموازنة من دون إعلان انتهاء النقاش بشأنها. ويروي المصدر ملابسات ما شهدته تلك الجلسة بالقول: «خلال مناقشة الموازنة في السراي الحكومي طرح وزراء الثنائي ملاحظات عدة على بعض البنود الواردة فيها، كالحاجة إلى الواردات مقابل النفقات ورفع التعرفة الجمركية وتمّت المطالبة بالسلع المشمولة بالرسم الجمركي الجديد، وكان الاتفاق أن يُصار إلى الردّ على هذه الملاحظات خلال جلسات المناقشة. تمّ تجاوز ملاحظات الوزراء وهو ما كان سبباً لاحتدام النقاش بين وزير الثقافة محمد مرتضى ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعدما اعترض مرتضى على بند وارد في الموازنة بدمج دائرتين في وزارة المالية بدائرة واحدة يرأسها سنّي، ومثل هذا الإجراء يصدر عادة بمرسوم ولا يندرج في سياق بنود موازنة». خلاف آخر أثير على خلفية عدم مشاركة وزير المالية في النقاشات التي حصلت، وبينما كان المفروض أنه المعنيّ بإعداد الموازنة ويفترض به الردّ على الملاحظات خلال الجلسة الحكومية، يفاجأ الوزراء بحضور فريق من وزارة المالية يقدّمه رئيس الحكومة، يتولّى النقاش والردّ على الاستفسارات ويشكره وزير المالية على جهوده بإعداد الموازنة. وقصة وزير المالية ليست جديدة مع توسع رقعة الانتقادات الوزارية بحقه لعجزه عن إثبات حضوره، أقلّه بالشكل الذي يوازي معركة الثنائي للإمساك بالتوقيع الثالث في الجمهورية.
إنتهت الجلسة في السراي من دون أن ينال الوزراء الأجوبة على الملاحظات التي طرحت، فيما اعتبر رئيس الحكومة أن النقاشات التي حصلت كافية «خلونا ننقل النقاش الى بعبدا»، ليفاجأ وزراء الثنائي أن هناك ما يقارب 12 مادة ألغيت من الموازنة من دون نقاش مسبق، ومن دون أن يتسلّم الوزراء نسخة جديدة عن الموازنة بالتعديلات التي أضيفت لا ورقياً ولا إلكترونياً. يقول المصدر الوزاري: «بينما كان الوزراء يناقشون في موازنات وزاراتهم، يطرح فجأة تعيين مفوض حكومة. يستفسر أحد وزراء الثنائي ويتوجه للرئيسين بالقول: «عدنا لمناقشة الموازنة وأمور حياتية وليس تعيينات». أجابه ميقاتي: «هذا ليس تعييناً ومش محرزة وهو تكليف».
أجابه الوزير: «إذا هيك ايه». يطلب وزير الدفاع الكلام: «لدي شيء أريد قوله». ظنّ الحضور أنّها مداخلة متعلّقة بموازنة وزارته وإذا به يتلو مضمون ورقة عن ضرورة التعيين في المجلس العسكري. يوافق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فيعترض وزير الثقافة «هذه تعيينات». فيستفسر عون: «شو عم يقول؟». يكرّر الوزير: «هذه تعيينات بينما الاتفاق الذي عدنا على أساسه يقول أن لا تعيينات وأنا لا أمثّل نفسي هنا». فأجابه ميقاتي: «حسناً سنؤجّل البحث إلى الجلسة المقبلة». ترفع الجلسة ويقول ميقاتي لوزراء الثنائي ممازحاً: «اشكروني أجلت المناقشة إلى الاثنين». فيسأل أحد الوزراء هل أرجأتم التعيينات؟». يجيبه ميقاتي: «نعم». بينما يجيب عون: «لا عينّاهم». فيحدث هرج ومرج ويسأل الوزراء عن مصير الموازنة ليتبيّن لاحقاً أن رئيس الحكومة أعلن إقرارها أمام الإعلام.
على مضض تجاوز وزراء الثنائي فصل التعيينات لاعتقادهم «كان المطلوب جرّنا إلى مشكل بينما البلد لم يعد يحتمل»، لكن وبغضّ النظر عن الأشخاص يجزم أن «التعيينات لن تمرّ وأنّ وزير المالية لن يوقّع مرسومها رغم تعهد رئيس الحكومة للثنائي بعدم تكرار ما حصل مجدداً»، عازياً السبب إلى الاتفاق السياسي الذي أعاد وزراء الثنائي إلى طاولة الحكومة ووافق عليه رئيس الحكومة والذي يحصر النقاش الحكومي بالموازنة وخطة التعافي، بدليل أن الاخير لم يدعُ إلى جلسة حكومية إلا بعد صدور بيان الثنائي بالعودة إلى اجتماعات الحكومة. ويختم: «الغريب أن كل الوزراء لم يكونوا على علم مسبق بالتعيينات بمن فيهم وزير الدفاع الذي تسلم ورقة لتلاوة ما ورد فيها، علماً أن قائد الجيش لم يكن موافقاً على التعيين وكذلك حال رئيس الحكومة الذي فشل في تأجيل بحثها».