IMLebanon

الحكومة “المعطوبة” بين التجاذبات السياسية والإجتهادات الدستورية

 

 

قبل ساعات من انتهاء ولاية عهد الرئيس ميشال عون، يرفض الأخير كما فريقه السياسي تسليم صلاحيات الرئاسة الأولى إلى حكومة تصريف أعمال منقوصة «الدسم الدستوري»، ويحذرون من مغبة هذا الخيار فيما لو سدّت كلّ منافذ التأليف، لدرجة التهويل بإصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، مع العلم أنّ الرئاسة الأولى نفت هذا الاحتمال. ولكن مع ذلك يجوز السؤال: هل يحقّ لرئيس الجمهورية القيام بخطوة مماثلة؟ وهل يتبع مرسوم قبول الاستقالة، إن صدر، مرسوم تأليف حكومة جديدة؟ وما النتائج التي قد تترتّب على ذلك؟

 

دستورياً تُعتبر الحكومة مستقيلة باستقالة رئيسها؛ بوفاته؛ بشغور ثلث أعضائها؛ عند بدء ولاية مجلس نيابي جديد أو فور انتخاب رئيس جمهورية جديد، حيث تصبح حتماً حكومة تصريف أعمال. أما القانون، فقد ميّز بين الفعل الإعلاني والفعل الإنشائي: الحكومة اعتُبرت مستقيلة منذ تقديم رئيسها استقالته، وبالتالي إنّ صدور مرسوم قبول الاستقالة هو مرسوم إعلاني لن ينشئ أي حالة جديدة. وما واقعة الاستشارات النيابية الملزمة سوى تأكيد على أن مرسوم قبول استقالة الحكومة هو فقط إعلاني وأن التأخر في صدوره أو عدم صدوره لا مفاعيل قانونية أو دستورية له. أما التهويل بإصدار مرسوم بإقالة الحكومة فيرى فيه البعض «هرطقة» لا أساس دستورياً لها. وفي حال صدر مرسوم قبول الاستقالة من دون مرسوم تكليف الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة مع نهاية ولاية الرئيس عون، فسيبقى ميقاتي رئيس حكومة تصريف أعمال

 

ومع وقوع الشغور في الرئاسة الأولى تنتقل الصلاحيات بالوكالة إلى مجلس الوزراء مجتمعاً وبشكل استثنائي تجنّباً لإدخال البلد في حالة من الشلل إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد. أما الدستور فهو واضح ولا اجتهاد في معرض نصّه، إذ إنه لم يميّز بين حكومة تصريف أعمال وحكومة كاملة الصلاحيات، ذلك لأن لدى المشرّع قناعة بأن الشغور الرئاسي استثنائي ولا يجوز أن يبقى لفترة طويلة، وعلى المجلس النيابي الانكباب على انتخاب رئيس.

 

في ما يختص بالمهل الزمنية، فهي محددة دستورياً وتنص على دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية خلال مدة شهر على الأقل وشهرين على الأكثر قبل انتهاء ولايته. وحتّم الدستور على رئيس مجلس النواب الدعوة إلى هذه الجلسات كما حتّم أن يتحول مجلس النواب في الأيام العشرة الأخيرة من المهلة إلى هيئة انتخابية دائمة. بالتالي المهل موجودة والدستور واضح. فهو الذي حدّد نصاب انعقاد الجلسة بالثلثين، وحصول المرشح على ثلثي الأصوات في الدورة الأولى، مع الاكتفاء في الدورة الثانية والدورات التي تليها بالأكثرية المطلقة، أي النصف زائداً واحداً.

 

لكن الاجتهاد الذي اعتمده رئيس مجلس النواب نبيه بري هو اجتهادان عملياً: الأول إغلاق المحضر عند عدم حصول الشخص على ثلثي الأصوات وإعادة فتحه من جديد في الدورة التالية كأنها دورة أولى، وكونه اجتهاداً فهو غير مقيّد بمهلة زمنية لعدم ذكره في النص. أما الاجتهاد الثاني فهو في اعتماد نصاب الثلثين في النصاب المطلوب لانعقاد جلسة انتخاب رئيس المجلس ولو أنّ نصاب الاقتراع يعتمد على النصف زائداً واحداً. وقد يعود هذان الاجتهادان إلى تفاهم معظم القوى السياسية على اعتماد نصاب الثلثين منعاً لتفرّد طائفة معيّنة أو طرف سياسي محدّد بهوية الرئيس المنتخب، بحسب خبراء دستوريين.

 

التعرّض للمساءلة

 

وفقاً للعرف الدستوري المستقرّ منذ زمن طويل، يقوم رئيس الجمهورية بقبول استقالة الحكومة شفهياً كما يطلب من رئيس الحكومة شفهياً أيضاً تصريف الأعمال استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور، حسب ما يوضح مدّعي عام التمييز السابق، القاضي حاتم ماضي، لـ»نداء الوطن». ولدى تشكيل حكومة جديدة، يتعيّن على رئيس الجمهورية إصدار ثلاثة مراسيم في آن واحد: الأول يقبل فيه استقالة الحكومة بدون توقيع رئيس الحكومة على المرسوم؛ الثاني يكلّف فيه رئيس الحكومة تشكيل حكومة جديدة ويوقّعه منفرداً؛ أما الثالث فهو مرسوم تشكيل الحكومة والذي يوقّعه الرئيسان معاً.

 

ويضيف ماضي: «لكن نص المادة 64 من الدستور لم يُشِر صراحة ما إذا كان مرسوم التعيين يجب أن يصدر بالتزامن مع مرسوم قبول الاستقالة، وهذا ما يجيز ألا يصدر المرسومان معاً». لكن الواقع هو عكس ذلك، إذ إن صدور المرسومين بالتزامن ضروري لسببين رئيسيين:

 

السبب الأول، كما يشرح ماضي، هو أن قَسَم اليمين الذي يؤدّيه رئيس الجمهورية عند بدء ولايته مؤدّاه حماية الدستور. فَمِن شأن إصدار مرسوم قبول الاستقالة قبل مرسوم التعيين إدخال البلد في الفراغ الدستوري، وقد يصبح الأمر كارثياً إذا جاء موعد صدور المرسوم في آخر يوم من الولاية، بحيث يتعذّر ضبط الوضع حينها إذ لا انتخاب لرئيس في المدى المنظور.

 

أما السبب – المعضلة الثاني فهو في حال أصدر رئيس الجمهورية مرسوم قبول الاستقالة قبل موعده. «هنا لا يعود بإمكان الرئيس تكليف رئيس الحكومة تصريف الأعمال لأنه يكون قد فقد صفته كرئيس حكومة. وفي هذا شلل واضح للحركة السياسية، كما يلفت حاتم، مؤكّداً أن طبيعة الأمور لا تسمح لرئيس الجمهورية بإصدار مرسوم قبول الاستقالة قبل مرسوم التكليف وإلا يكون قد خرق الدستور وعرّض نفسه للمساءلة سنداً للمادة 60 من الدستور.

 

 

 

هنا الخطأ وهنا الحل

 

فهل، والحال كذلك، يمكن إقالة حكومة مستقيلة؟ سؤال توجّهت به «نداء الوطن» إلى الباحثة في علم الاجتماع السياسي، الدكتورة ميرنا زخريا، التي أشارت إلى أنه، «في حال كنا أمام صدور مرسوم قبول الاستقالة من دون مرسوم تأليف، فهذا يعني أننا أمام عملية تعطيل تام للمؤسسات الدستورية. وهذا الأمر يتعارض مع غاية وجود الدستور».

 

وللدقّة، فحكومة تصريف الأعمال الحالية، واستناداً إلى الدستور، تُعتبر مستقيلة بعدما أجريت الإنتخابات النيابية وأعلنت النتائج. وبالتالي، من المُستغرب ما يُسمع من كلام عن «إقالة» طالما هي أصلاً – أي الحكومة – في حُكم «الإستقالة» دستورياً منذ أيار الماضي. ناهيك بأن هذا الأمر، إن صحّ، فستواجهه معوّقات كثيرة كون لبنان لا يتبع نظام حكم رئاسياً بل هو جمهورية برلمانية، وحيث أن تصريف الأعمال هو واجب دستوري وليس امتيازاً شخصياً.

 

وترى زخريا أنّ أساس الخطأ – لا بل الخطأين – يتمثّل أولاً بعدم انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، وثانياً بعدم تأليف حكومة بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي. فهنا الخطأ والحل في آن. «الدستور لم يضع مُهلاً زمنية تُلزم المعنيين بإتمام الإستحقاقات، ما انعكس نشاطاً في السعي خلف الإجتهادات وتفصيل الأعراف على المقاسات، كأن ثمة جزءاً غير مكتوب في دستورنا»، من وجهة نظر زخريا.

 

 

إرباك وتعطيل

 

بدوره، شدّد الخبير الدستوري، الدكتور عادل يمّين، في اتصال مع «نداء الوطن» على أنّ حكومة الرئيس ميقاتي الحاضرة اعتُبرت، بناء للمادة 60 من الدستور، بحكم المستقيلة مع بدء ولاية مجلس النواب الحالي. أما مرسوم إعلان استقالتها، سواء صدر في القريب العاجل أو مع مراسيم تأليف الحكومة الجديدة كما جرت العادة، فهو مرسوم إعلاني وليس إنشائياً يهدف إلى تأكيد المؤكّد بأن الحكومة معتبرة مستقيلة بحكم الدستور وهي حكومة تصريف أعمال ليس أكثر.

 

وأضاف: «هذا المرسوم، حتى لو لم يصدر، لا يعني أن الحكومة هي بحالتها الحاضرة حكومة مكتملة المواصفات الدستورية. فَمِن غير الممكن أن تمدّ يدها إلى صلاحيات رئيس الجمهورية حتى لو وقع الشغور الرئاسي، ذلك لأن المادة 62 من الدستور توكل هذه المهمة إلى مجلس الوزراء وكالة. كما أن مجلس الوزراء، في ظل حكومة مستقيلة، لا ينعقد إلا نادراً جداً واستثنائياً، في حين أن الاجتماعات الاستثنائية لمجلس الوزراء يختص رئيس الجمهورية بالدعوة إليها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. فإذا كان رئيس الجمهورية غير موجود، ليس من مرجع دستوري مختص لتوجيه الدعوة لاجتماع استثنائي، فضلاً عن أن المادة 64 من الدستور تحصر صلاحيات الحكومة المُعتبَرة مستقيلة بتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق وتحديداً بأعمالها المختصة بها فقط».

 

ما الحلّ إذاً؟ «كل تأخير في إنجاز أي من الاستحقاقات الدستورية هو خطأ بحد ذاته، وذلك يعود لأسباب سياسية من جهة ولأسباب تتعلق بالاختلالات والثغرات التي ينطوي عليها نظامنا الدستوري من جهة أخرى. فلا مهلة واضحة وصريحة في الدستور أمام رئيس الحكومة لإنجاز اتّفاقه مع رئيس الجمهورية على تأليف الحكومة تحت طائلة الاعتذار الحكمي. وهذا ما يسبّب الإرباك ويؤدّي إلى تعطيل عجلة النظام ويزيد من الاجتهادات»، كما ينهي يمّين.