للخلاف الخارج إلى العلن تداعيات على الاستحقاق.. وحوار بري يحتاج لأرضية صالحة
من المنطقي، سؤال البعض عما إذا كانت جلسة الحكومة الأخيرة شكلت الشرارة الأولى لإندلاع الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وقد يكون من الصائب أيضا السؤال ما إذا كان استفحال التباين بين الفريقين بحاجة الى هذه الجلسة كي يأخذ مداه؟
في الواقع ان مسار العلاقة بين التيارين البرتقالي والأصفر مرّ لفترة من الزمن بإستقرار خدم الطرفين، حتى وإن كانت هناك طلعات ونزلات واتهام من التيار للحزب بمساندة حليفه حركة امل، واغفال ما اتفقا عليه في تفاهم مار مخايل، لم يكن الخلاف مستحكما، والحزب دعم التيار في أشد الظروف وأبقى على وعده بإيصال الرئيس ميشال عون إلى الرئاسة. تماهى موقف الطرفين في معظم المناسبات، وكانت العلاقة محكومة بالسمن والعسل، ولم تظهر نية مشتركة بنسفها ابدا، الى أن عكست المواقف الأخيرة لرئيس التيار النائب جبران باسيل كما بيان العلاقات الإعلامية للحزب وردّ التيار المسائي اهتزازا في هذه العلاقة.
لكن الأمر لا يندرج في إطار « العتب» على قدر المحبة، بل تراكمات معينة وقد يطلق عليها «قلوب مليانة» أو لا.
منذ البداية وضع الطرفان خارطة طريق في موضوع جلسات الحكومة: التيار حسمها لا دستورية لهذه الجلسات ولا مشاركة فيها، في حين أن الحزب أعطى موافقة على الجلسات التي تحمل طابع العجلة.
اما في المقاربة الرئاسية فإن ما من تفاهم على ترشيح رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، وهذا ما قاله باسيل للمعنيين صراحة وأكد استحالته.. فهل فك الإرتباط بين الفريقين جراء الرئاسة والحكومة؟ وهل أصبح التيار في عزلة تامة وما هي خياراته؟ وماذا عن عمل المؤسسات؟
تتحدث مصادر سياسية مطلعة عبر اللواء عن الإشكال الذي افتعله التيار بشأن جلسة حكومية يتيمة حملت عنوانا طارئا، في حين كان الأجدى بوزرائه حضورها انطلاقا من صفتها، وليس اللجوء إلى تضخيم موضوع الدعوة لإنعقاد المجلس، وتقول ان النائب باسيل كان يدرك عاجلا ام اجلا أن مجلس الوزراء الضرورة سينعقد وأن الوزراء الذين لا مشكلة لديهم في التئامه سيلبون الدعوة ومن بينهم حزب الله، اما تأزم العلاقة بين التيار والحزب لم يبدأ من هذا الموضوع بالذات، بل من خلال مجموعة احداث شقت طريقها وأدت إلى هذا الخلاف المرشح إما إلى المعالجة على ارفع المستويات أو أن يبقى على حاله ويشهد تصعيدا عبر وسائل إعلام الطرفين والبيانات وغير ذلك.وهذا ما حصل بالفعل.
التيار العوني يسعى إلى ترتيب صفوفه ولا تبدُّل جذري في خياراته الرئاسية
وترى المصادر نفسها أن الأوان لم يحن بعد للحديث عن أي توجه يتصل بفك الارتباط أو إعلان الطلاق التام، لأن ما قاله الطرفان لا يتعدى عملية اللوم والدفاع دون استحضار أي تفاصيل تؤدي إلى قطع العلاقة نهائيا، أما اي شيء من هذا القبيل فيرسم علامة استفهام حول خياراتهما المستقبلية. وليس هناك من مؤشرات فعلية في الوقت الراهن، فهل يتم إصلاح التباين الحاصل؟ تقول المصادر إن الأمر متوقف على جدية الرغبة في طي هذه الصفحة مع العلم أن هذا التباين قد يأخذ مداه لوقت بفعل الردود والردود المضادة، دون معرفة ما إذا كان ذلك يعني غياب الاتصالات أو حتى التواصل بهدف «السلام»، مشيرة إلى أن ما من تقارب حالي بين التيار أو أي فريق آخر، وإن الالتقاء على مقاربة واحدة ليس بالضرورة أن يُفضي إلى التفاهم أو وضع أسس لإتفاق مستقبلي، وبالنسبة إلى الأفرقاء السياسيين الآخرين، فإن الحزب ليس التيار والعكس صحيح، لكن المصالح المشتركة تحتم التلاقي. ولكن ما حصل مؤخرا اعتبره كثيرون خصاما يصعب حله.
لم يعد لدى التيار أي صديق أو حليف.. تكررت هذه العبارة منذ قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، هذا ما تشير اليه المصادر نفسها، لكنها تقول إنها جاءت في عزّ العلاقة المتينة بينه وبين الحزب، أما اليوم فإن الوضع يختلف والتيار ليس في وارد التفتيش عن أي بديل، وبالنسبة إليه،فإن قوة تمثيله قائمة ولذلك يسود الاعتقاد أنه يسعى إلى ترتيب صفوفه الداخلية، وإظهار وحدة الحال، على أن ما قام به في جلسة انتخاب الرئيس ليس إلا رسالة للمقربين وللدلالة على أن لا مرشح جدياً لديه حتى الآن وأن أولوياته في الملف الرئاسي لا تزال على حالها.
وماذا عن ترشيح شخصية من التيار أو مقربة منه ؟ تفيد المصادر أنه لم يحسم أمره بعد، وقد يكون آخر من يفعل ذلك، اما موضوع الحوار الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري فيدرس في حينه، والتيار كما سبق أن قال لن يوافق على رئيس لا صفة تمثيلية له.
وفي هذا السياق، تلفت المصادر إلى أن الحوار المنشود في الملف الرئاسي قد لا يتحقق نظرا إلى أن الكتل النيابية لم تكن متحمسة له، وبالتالي لم تبرز معطيات أخرى تبدل هذا التوجه، وفي كل الأحوال فإن الموضوع قيد استمزاج آراء النواب، وهنا من المرتقب أن تتظهَّر أكثر فأكثر ردات الفعل حياله، ومعلوم أن الرئيس بري يكرر دعوته بفعل الفشل في إحداث الخرق في الملف الرئاسي، وبفعل الإنقسام النيابي وتحميله مسؤولية عدم التوصل إلى نتيجة، إلا أنه ينتظر الأرضية المناسبة لإجرائه.
في المحصلة وحده الترقب يتحكم بمشهد الإنتخابات الرئاسية..فهل ينعكس الخلاف المستجد بين حزب الله والتيار الوطني الحر على سير الاستحقاق؟ كله وارد حتى وإن لم يكن وحده السبب.