ان الصرف على القاعدة الاثني عشرية تحصيل حاصل، ما يعني ان المطالبة بجلسة استثنائية لمجلس النواب لدفع الرواتب والاجور في القطاع، مجرد تخويف طالما ان بوسع وزير المال تسطير مذكرة بالرواتب تصرف من تدوير الاعتمادات. أما القول ان الجلسة الاستثنائية مطلوبة لاقرار تفاهمات مالية دولية، فهو كلام حق، يراد به باطل، حيث لا بد وان يفقد لبنان اعتمادات لا تقل عن مليار دولار مخصصات من البنك الدولي ومساعدة من المجموعة الاوروبية، فضلاً عن دعم مالي من الصناديق العربية!
لذا، يبدو التخويف من عدم اقرارها في مجلس النواب، في غير محله، لأن ذلك لن يجدي نفعاً، اضافة الى ان الموضوع يحتاج الى البت بمشاريع قوانين، فضلاً عن انتخاب رئيس جمهورية لايزال البعض يعتبره ترفاً سياسياً، فيما يجمع المعنيون بهذا الاستحقاق على اعتباره من الاساسات السياسية للدولة كعمود فقري يجسد عمل المؤسسات ويضعها في مصاف ما يجب العمل بموجبه فيما يبقى سؤال عن جدوى اللعب بهذا الاستحقاق، تارة لأنه مرتبط بالحال السياسية للجمهورية الاسلامية في ايران، وتارة أخرى لأن كل ما تم من مساع لم يكتب له النجاح ان عن طريق الفاتيكان او عن طريق الحكومة الفرنسية التي كانت آخر محاولتها مع ايران عبر زيارة وزير خارجيتها لوران فابيوس، الذي «خرج من المولد بلا حمص»؟
وما يقال عن جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، يقال مثله واكثر عن الجلسة الواجب ان تخصص لاقرار قانون للانتخابات العامة بما في ذلك الجلسة التي ستخصص لاعطاء المغتربين الجنسية. وفي الحالين لا يبدو في الأفق ما يشجع على الاعتقاد ان مجلس النواب مرشح لأن يبصر النور بطريقة او بأخرى، من غير حاجة الى التخويف بأن موظفي القطاع العام سيدفعون الى السلبية، جراء عدم قبض رواتبهم، من غير ان ننسى ان سلسلة الرتب والرواتب عالقة على غير الأساس الاصلاحي، مع العلم أنها مرتبطة بقطاعات عالية في مقدمها رواتب العسكريين والامنيين!
ومن الآن الى حين وضوح الرؤية بالنسبة الى الجلسة الاستثنائية، ثمة من يجزم بأن لكل طرف حوافزه لأن يقبل بعقد الجلسة او بترك الأمور عالقة على كف عفريت، مع ما يعنيه ذلك من ان مجلس النواب سيبقى معطلاً لعدة اعتبارات في مقدمها ان كل طرف يتطلع الى تحقيق ما يرغب فيه، طالما بقيت رئاسة الجمهورية عالقة من الآن الى ما ليس بوسع أحد الخوض فيه!
ان الزمن الضائع بين سنة واربعة اشهر على الفراغ الرئاسي يعني بالنسبة الى البعض أنه غير مستعجل على انتخاب رئيس، لأنه مرتاح الى وضعه، او لأنه لا يرغب في ان يقبل بسحب البساط من تحت رجليه، والمقصود هنا بالذات هو رئيس مجلس النواب الذي أضاع فرصة انتخاب الرئيس مع أنه كان بوسعه القبول بالجلسة الانتخابية الثانية على أساس النصف زائداً واحداً، وهذا ما لم يعمل به لاعتبارات سياسية ومذهبية في وقت واحد، وهذه الاعتبارات مرشحة لأن تستمر في قطع الطريق على ملء الرئاسة الأولى!
المهم في هذا السياق ان لا مجال لفتح جلسة استثنائية لمجلس النواب حيث لكل طرف رأيه المختلف عن رأي الآخر، وهيهات ان تلتقي المصالح كي ينتخب رئيس الجمهورية وتنتهي مع ذلك التباينات السياسية ومعها تباينات المصالح التي تحكم تصرفات البعض ومن بينهم المرشحان للرئاسة رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اللذان يتصرفان على أساس ان لا مجال لانتخاب شخص ثالث ومن بعدهما الطوفان!
وطالما بقيت الامور على ما هي عليه يدخل لبنان في مرحلة عدم وجود رئيس، مهما قيل ان مصالح البعض تملي عليه الاستمرار في الدوامة، حتى وان كان المقصود استمرار تجميد العمل في مجلس النواب، والشيء بالشيء يذكر في مجال استمرار المماحكات في مجلس الوزراء من غير ان يشعر أحد بان المجلس مثل الحكومة قادر على ان يستوعب المشكلة كي يصير البحث عن حل رصين وجدي!
صحيح ان ملف النفايات قد فضح هزال السلطات حيث لا مجلس نيابياً ولا حكومة بوسعها ان تحكم وتقرر الأمر الذي ادى الى كشف أوراق الجميع وفضح هزالهم حتى اشعار آخر؟؟