لم يخفف ما تعاني منه القيادة الإيرانية خارجياً من الحنق الذي يشعر به الإيرانيون في الداخل، إذ لم يتردد المنتقدون المحليون للجمهورية الإسلامية وقائدها الأعلى آية الله علي خامنئي من شن هجمات على النظام تصاعدت في الأسابيع الأخيرة عبر احتجاجات علنية ودعوة المرشد إلى الاستقالة. إذ لم يمنع قضاؤه في السجن سنوات متعددة، ولم يمنع كبر السن الناشط السياسي المعروف أبو الفضل غادياني من توجيه النقد لخامنئي عبر كتابة تعليق قصير نشره «موقع إنترنيتي» للمعارضة في 11 من الشهر الحالي جاء فيه: «لن يشعر الإيرانيون بالسلام والسعادة ما دام يصر خامنئي على مواصلة حكمه غير الشرعي».
لقد تحول غادياني من داعم قوي للنظام إلى متشدد أقوى لخامنئي في السنوات الأخيرة، وفي بيانه الأخير دعاه إلى التنحي وتمهيد الطريق لاستفتاء من شأنه أن يؤدي إلى «جمهورية علمانية ديمقراطية».
غادياني عضو بارز في «منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية اليسارية» وهي تختلف عن منظمة مجاهدين خلق التي مقرها في الخارج، وقد سجن في أعقاب الاضطرابات التي تسببت بها انتخابات عام 2009 وجيء بأحمدي نجاد رئيساً. وحكم عليه بالسجن مرة أخرى عام 2012 لمدة سنتين مع 40 جلدة تلقاها، وفي شهر مارس (آذار) من هذا العام حكمت محكمة طهران عليه بالسجن لمدة 3 سنوات بتهمة إهانة خامنئي ونشره البروباغندا ضد النظام. وقال ابنه مرتضى إن والده حكم عليه بسنتين لإهانته خامنئي، وثلاث سنوات لنشره الدعاية ضد النظام، وقد ينتهي به الأمر إلى قضاء فترات أطول. وأُمر أيضاً بقراءة 3 كتب مؤيدة للثورة وللجمهورية الإسلامية، أحدها يمتدح خامنئي، ومن ثم نسخها كلها باليد. (تعتبر نصوص النسخ اليدوية عقوبة في المدارس الابتدائية في إيران). لتنفيذ الحكم أُلقي القبض عليه في شهر يونيو (حزيران) الماضي، لكن الطبيب الشرعي قضى بأنه مريض للغاية وغير قادر على تنفيذ العقوبة؛ لذلك تم تعليق عقوبة السجن بسرعة.
الحكم الأخير الذي صدر بحقه حديثاً كان بسبب توجيه رسالتين إلى خامنئي ينتقده فيهما لسوء استخدامه سلطته السياسية ويدعوه مجدداً إلى الاستقالة. كما كتب في الوقت نفسه رسالة إلى الرئيس حسن روحاني يتهمه فيها بأنه يفتقد الشجاعة للوفاء بوعده بوضع حد للإقامة الجبرية لزعماء المعارضة مير حسين موسوي وزوجته زهرة راهناورد ومهدي كروبي.
وقال غادياني: روحاني ليس شجاعاً بما يكفي للوقوف في وجه حاكم إيران المستبد، ولا يمكنه أن ينزعج للتحرك ولو بشبر واحد نحو هذا الهدف. كما اتهم خامنئي «بالعناد والمضض» لعدم السماح بإلغاء عقوبة الإقامة الجبرية بحق قادة المعارضة بعد قرابة عقد من الزمن.
كما كتب 7 من مستشاري موسوي رسالة إلى روحاني في نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي يعربون فيها عن قلقهم بشأن الظروف الصحية للمعتقلين الثلاثة، ودعوا روحاني إلى اتخاذ «إجراء فعال» لضمان الإفراج عن الثلاثة كما وعد مراراً خلال حملتيه الانتخابيتين عامي 2013 و2017.
في مايو (أيار) الماضي نعت غادياني خامنئي بالمستبد بعدما كان يسميه الديكتاتور، وذلك إثر تلقيه استدعاء للمثول أمام المحكمة في الوقت الذي يواجه فيه حكماً بالسجن 3 سنوات، ورفض الرجل البالغ من العمر 73 سنة أمر الاستدعاء واعتبره «عرضاً لعقد جلسة للمحكمة الثورية غير الشرعية التي يهيمن عليها عملاء الاستخبارات، وكلاهما – المحكمة والعملاء – يخضعان للسيطرة الكاملة للمستبد السيد خامنئي». وذهب غادياني أبعد من ذلك بالتحذير من أن التعديلات الأخيرة في المناصب العليا في الجمهورية الإسلامية تشير إلى فترة من العنف المتزايد والإرهاب. وأضاف غادياني أن الجمهورية الإسلامية «لا يمكن تصليحها».
واجه غادياني الذي كان ثورياً قوياً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مشاكل قانونية جديدة بعد دعوته لإلغاء منصب المرشد الأعلى العام الماضي.
وفي تطور آخر، قام نحو 8700 ناشط سياسي إيراني وصحافي وعدد من المحاربين القدامى في الحرب العراقية – الإيرانية وكذلك أفراد عائلات الذين قتلوا في تلك الحرب في الثمانينات بكتابة خطاب إلى روحاني مؤخراً طالبين فيه «اتخاذ إجراء فعّال» للإفراج عن قادة المعارضة الآن، وقالوا إن بياناً دفاعياً حديثاً قرأه في محكمة طهران النائب السابق محمد خاتمي أثبت أن ما قاله قادة المعارضة حول تزوير الانتخابات عام 2009 كان صحيحاً.
وقدم خاتمي أدلة تشير إلى أنه تمت إضافة 8 ملايين صوت إلى صناديق الاقتراع لصالح مرشح المحافظين في تلك الانتخابات محمود أحمدي نجاد الذي كان يدعمه خامنئي و«الحرس الثوري».
في غضون ذلك، وخلال الأسابيع الماضية، أصدرت 3 مجموعات من 14 ناشطاً سياسياً في كل من إيران والخارج بيانات تدعو خامنئي إلى الاستقالة وإلى تمهيد الطريق لتغيير دستور البلاد ونظامها السياسي. وأيد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية داخل إيران، بأغلبية ساحقة الدعوة التي وجهها النشطاء داخل إيران، ووصفت وسائل الإعلام الخاضعة لنفوذ خامنئي، مثل التلفزيون الحكومي، والمقربين من «الحرس الثوري» مثل وكالة «فارس للأنباء» حملة النشطاء المتجددة ضد خامنئي باعتبارها محاولة لدعم أولئك الذين «يريدون تغيير النظام في إيران».
في تطور آخر، وفي رسالة مفتوحة موجهة إلى المرشد الأعلى، دعت 14 ناشطة في مجال حقوق المرأة خامنئي إلى التنحي. واحتجت الموقعات على الخطاب الجديد الذي نشر في 5 أغسطس (آب) الحالي على ما وصفنه بـ«الفصل العنصري بين الجنسين» و«النهج الذكوري» الذي يسيطر على البلاد.
أربعة عقود من هذه الثيوقراطية ألغت «حقوق نصف سكان البلاد»، هذا ما أكدته الناشطات في مجال حقوق المرأة، ودعون إلى القيام «بتدابير مدنية وغير عنيفة لنترك وراءنا هذا النظام المعادي للمرأة»، وأكدن على ضرورة وضع دستور جديد لإيران.
جيتي بور فضل (محامية)، قالت إن 14 امرأة وقعن على الرسالة «ويمكن لـ20 مليون امرأة إيرانية اعتبار أنفسهن صاحبات التوقيع الـ15». واختتمت النساء رسالتهن بدعوة الأمة الإيرانية إلى الانضمام إليهن في الهتاف: «لا للجمهورية الإسلامية»!
قبل أن يطلب النظام الإيراني الحالي من الدول العربية ومن العالم أن يثق به، عليه أن يكسب ثقة شعبه. وبدل أن يستمر في إشعال النيران في دول الشرق الأوسط، ما رأيه بالنيران التي بدأت تستعر داخله؟ أن التجرؤ بالمطالبة بتنحي خامنئي وتغيير النظام ليس بسبب الحرية التي يعطيها النظام لشعبه، بل لأن الشعب بدأ يستشعر أن سفينة النظام تزداد الثقوب فيها. النظام الإيراني يقول إنه سيطوّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب وسيشده إلى طاولة المفاوضات حسب شروط خامنئي وتهديدات «الحرس الثوري»، وفي الداخل يستمر في قمع الحريات وزج النساء في السجون بتهمة التجسس، وهن يصدحن: لا للجمهورية الإسلامية!