بدا لكثيرين أن العنصر الجديد الأبرز، في الخطاب الاخير لزعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري، دعوته الى بناء استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب، وبدا لهؤلاء أيضا ان العنصر الجديد الأبرز، في الخطاب الاخير للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، كان ترحيبه بدعوة الحريري والتجاوب معها، وفي الخطابين بقي كل منهما على مواقفه وثوابته من العناوين الاخرى، وربما احياناً ذهب أبعد، كدعوة السيد نصرالله من يطالبون “حزب الله” بالانسحاب من سوريا، الى “الذهاب معاً الى سوريا بل الى أي مكان نواجه فيه التهديد الارهابي”، معتبراً “اننا بهذه الطريقة ندافع عن لبنان وغير لبنان” وليس سراً أن تلك نقطة خلاف أساسية بين الطرفين. ولكن على الرغم من التصعيد الكلامي في بعض المواقف، بدا واضحاً انهما حرصاً على احترام سقف الحوار القائم بين حزبيهما، والذي يفترض أن يخلص في النهاية الى لقاء مباشر بينهما يتوج هذا الحوار ويكون ايذاناً بالتفاهم حول عناوينه.
ولعل الأهم في خطاب كل من الحريري ونصرالله، تأكيدهما المضي قدماً في الحوار، وكان لهذا الموقف تاثير مباشر في الاوساط الشعبية وعند جمهورهما، وقد أعطيا زخماً جديداً للحوار وان تكن عناوينه حتى الآن متواضعة بحيث تقتصر على التهدئة وتخفيف الاحتقان ومنع تأثير التحريض الطائفي والمذهبي الذي يستهدف لبنان والمنطقة عموماً ومن كل حدب وصوب، وتجنب تداعياته، وهذا عنوان كبير جداً وان تكن البداية في معالجته هي المتواضعة، وتمثلت في ازالة الصور والاعلام والشعارات الحزبية والسياسية والدينية والاستفزازية، وهي بدورها، وعلى تواضعها خطوة مهمة جداً ويمكن ان تؤسس لمرحلة جديدة في بناء عوامل تجنب الاحتكاكات تمهيداً لارساء قواعد الاستقرار. وتسجل في هذا السياق خطوة مهمة لـ”حزب الله” اذ تجاوب جمهوره مع دعوة امينه العام الى عدم اطلاق الرصاص ابتهاجاً كالعادة قبل كل خطاب له، وفي اثنائه واحياناً بعده، وكان التجاوب شاملاً، واطلاق الرصاص، عادة سيئة جداً انتقلت عدواها من فريق الى آخر في مرحلة من المراحل، واختلط فيه الابتهاج بالاستنكار وارتدت على اصحابها في الآونة الاخيرة وقد خرجت اصوات الاستنكار الى العلن. وثبت من خلال القرار الصائب والحكيم باستباق الخطاب الاخير للسيد نصرالله، بدعوة مباشرة منه الى عدم اطلاق الرصاص، أن ضبط الأمور ممكن عندما يكون القرار جدياً وحاسماً، وهي ايضا “عدوى” من المفيد أن تصيب الجميع دون استثناء.
وأما العنصر الجديد الابرز في خطاب كل من نصرالله والحريري، والذي أدى الى تبادل التحية بينهما، اذ دعا الحريري الى التفاهم حول استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب فرد نصرالله بتأييد تلك الدعوة، فيمكن البناء عليه، وقد يصبح ممكناً بعد التفاهم حول تلك الاستراتيجية، التفاهم حول أخرى تشبهها، وهي “الاستراتيجية الدفاعية” التي تتعلق بمواجهة الارهاب الناجم عن أي اعتداء اسرائيلي على لبنان، أي مواجهة ارهاب من نوع آخر، هو أرهاب الدولة المنظم، والذي لا يختلف في الجوهر عن ارهاب الجماعات المسلحة المشبوهة والتي تتلطى وراء الدين الاسلامي، فترتكب الجرائم الجماعية باسمه، والحصيلة بالتأكيد تشويه صورة الاسلام والمسلمين، وهذا هو دورها الذي يتكشف يوماً بعد يوم وكلما عرفت مصادر انشائها وتمويلها الحقيقية، وكلما سقطت دفعة كبيرة من الاسلحة “عن طريق الخطأ” و”بالصدفة” في مناطق نفوذ تلك الجماعات – الجيوش، في سوريا والعراق من طائرات “التحالف الدولي” ولا سيما الاميركية منها … يا للصدّف!
ومما يساعد على امكان التوصل الى استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب، أن الموقف منه واحد، وفي مكان ما يبدو التفاهم حولها أسهل، واذا حصل ذلك فقد يصبح في الامكان الرد على دعوة السيد نصرالله الى “الذهاب معاً الى سوريا” بالترحيب بالدعوة، ولكن لاصطحاب مجموعات “حزب الله” والعودة بها الى لبنان… من يدري؟!
وسط هذه الأجواء تعقد اليوم الجلسة السادسة للحوار بين “المستقبل” و”حزب الله” في مقر رئاسة مجلس النواب، وبعد تأكيد خطوات التهدئة ومتابعة ازالة الاعلام والصور والرايات الحزبية والسياسية والدينية، يفترض ان يبدأ الحديث في البند الآخر، وهو، وان يكن تحت عنوان “الخروج من الأزمة”، فهو يعني البحث في السبل الكفيلة بتأمين “الافراج” عن الاستحقاق الرئاسي، وكل ذلك في ظل تراجع في عمل مجلس الوزراء وخلاف على “آلية العمل” أي الى منع انعقاده. وقد “أصاب” الوزير سجعان قزي عندما تساءل: “إذا كنا نعطل مجلس الوزراء بسبب آلية عمله، فلم لا نعطله بسبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية؟”.