مشهد تشليق الطريق ما بين ترشيش وزحلة الذي نقلته الشاشات والحديث عن مخاوف تمدّدها إلى مناطق أخرى يُعرّي واقعاً لبنانياً مريراً، حال البلد مطابق تماماً لمشهد الطرق المشلّقة، المشكلة الحقيقيّة في لبنان هو تأجيل المواجهة، أو بمعنى آخر محاولة إزاحة الخلافات الأساسية والكبرى «عجنب» وتركيب اتفاقيات أو تسويات هشة ومؤقتة لا تلبث أن تصطدم بحائط الخلافات الكبرى، وما أكثرها!
المشاهد الفضائحيّة لا تقتصر على قطاع معين، فضائح تلوّث مياه نهر الليطاني وبحيرة القرعون لو أعلنت في دول أخرى لأطاحت حكومات، عندنا تمرّ أخبار تلوثها مرور الكرام في نشرات الأخبار، المشهد في معظم مؤسسات الدولة وقطاعاتها ينذر مشهدها بانهيار الدولة اللبنانيّة بالمعنيين الأخلاقي والفعلي للدّولة، الدولة ككيان ومنظومة وقيمة وأخلاقية وهيبة، هذه كلّها عندما «تشلّق» وتضربها التشقّقات والتصدّعات الخطيرة الظاهرة للعيان، عندما تنهار هذه المنظومة تسقط الدّولة والأهمّ من سقوطها الملموس، هو سقوطها من عين الشعب، وقد يكون هذا هو التفسير الوحيد لمعنى إدارة الشعب اللبناني ظهره للجميع والدّخول تحت قناعة عامّة «الناس بدها تعيش»!
كلّ يوم يشهد اللبنانيّون على فضائح دولتهم ويستمرّون على حالهم «لا يهشّون ولا ينشّون»، حتى الشّجارات اليومية وحلبات «الديوك السياسية» التي «ينتف» فيها الفرقاء ريش بعضهم والصراخ من على منابر الحروب الوهمية حيث يعلن الفرقاء أنّهم سيحاربون الفساد، المفسدون الفاسدون يريدون محاربة الفساد، وهذا العنوان «ربّيح» فلبنان تحت ميكروسكوب قروض دول «سيدر»، حتى هذه الدول تدرك أنهم يسرقون القروض وستضيع مزاريب دولة البقرة الحلوب، لهذا تسمعونهم ليل نهار يدّعون أنّهم يريدون الإصلاح ومحاربة الفساد، وكلّهم «طبيقة» واحدة، في دولة التلزيم بالتراضي والهدر والسمسرات، فأيّ فساد سيحاربون؟!
لو قلّبنا يوميات البلد لوجدنا أنّه يعيش فضائح مدوّية، نكاد نقول لقد بلغنا أسفل الدّرك، هذه المشاهد والأخبار المخزية التي تُعرض علينا يوميّاً تعلن وبشكل صارخٍ موت الدولة اللبنانية وبصراحة، دولة مريضة وهشّة و»مفوْخرة حلّها تموت»، هذه دولة كأيّ دولة كانت في التاريخ ثم زالت، «حلّها تموت»، هذه حالة تشبه البناء الآيل للسقوط، مهما وضعت له من دعامات فهي ستبقيه واقفاً «تسكيج»، الأولى هدّه وإعادة بنائه من جديد!
لا يشعر اللبنانيّون بأي حراك حقيقي يدفع البلد إلى الأمام، ولا بجهد حقيقي سيغيّر هذا المشهد، يزيد المشهد تعقيداً كلما طرقت مسمع اللبنانيين جملة من نوع «سيدر» الفرصة الأخيرة، أمام هكذا واقع اللبنانيّون «كلّوا وملّوا» مع أنّنا شعب «يطقّ وينقّ» إلى أبعد الحدود، فقد اللبنانيون القدرة حتى على ممارسة هذه العادة، تراكم الخيبات أوصل الشعب اللبناني إلى لحظة فقد فيها ثقته بالجميع، وهذا أخطر وأسوأ ما في المشهد اللبناني، «التشليق» يضرب الجميع البلد والشعب، وغالباً يؤدي التشليق إلى انهيارات مخيفة ومدويّة، من المؤسف أننا نعيش في وطن مطلوب منا أن نفكر فيه فيما لا يفكّر هو فينا، بلد لا نسمع فيه عن خطة إنماء أو تطوير أو دعم لا خمسيّة ولا عشريّة، بلد يسير خبط عشواء وبالكاد ترى حكوماته المتعاقبة تحت قدميها!
ميرڤت سيوفي