لست متشائمة ولا أحبّ أهل التشاؤم. ولا أنا ممّن يتلذذن بعبارة: “توقعتُ ذلك منذ البدء”. لكنّ واقع الحال يدفعني رغماً مني إلى التحفظ والحذر والتوجس حيال النتائج التي أفرزها الى الآن الحراك الشعبي المدني في لبنان، بعد عهد طويل من السكوت وإطالة البال.
أتحدث عن “تماسيح” السلطة الذين يطنّشون ويتجاهلون ويركّبون جلسات حوار عبثية ويبطشون بالمتظاهرين أو يتفرجون عليهم يُبطَش بهم. أتحدث عن أولئك التماسيح الذين إذا بصق الواحد في وجوههم قالوا: “إنها تمطر”.
نعم، هذا ما كنتُ أتوقّعه للأسف: جرعة عالية من الخيبة. فمنذ بداية الحراك وأنا قلقة من المآل. إذ لطالما وجدنا أنفسنا في لبنان مضطرين إلى بلع الموس ومسايرة الوضع الراهن ومتطلبات العيش المشترك والأمن الوطني وكل هذه المنظومة التي يعزفها الزعماء الشطار على مسامعنا لكي يمعنوا في فسادهم وفي خداعنا.
نراهم، أولئك التماسيح، في كل مكان، وفي كل الأحزاب، بلا استثناء. ولأقلها يا جماعة: خلال أيامنا التلفزيونية الطويلة التي تواكب التظاهرات، ألا يفاجئكم أن الناس الغاضبين يتطاولون على الجميع، على الجميع، ما عدا على السيد حسن؟ قولكن ليه؟ وليّ، قدّيس، مثلاً؟ خالٍ من العيوب والزلات؟ ما دمنا نريد قهر البعبع فلماذا نعتبر أحد أطرافه لا يُمَسّ؟ على سبيل المثل، قال الفنان ميشال أبو سليمان كلاماً رائعا يوم الاربعاء الفائت على إحدى الشاشات. كلام يفشّ الخلق ويعبّر عنا جميعا، ثم عدّد أسماء الزعماء المغضوب عليهم، كلهم، ما عدا يلّي بفكركم منّو… طيّب ليه؟
كثر يتساءلون منذ بدايات شهر آب عن معنى هذه الثورة وكيفية انعكاسها إيجابا على وضع لبنان واحتمال انتشاله من انهياراته المتتالية وسيره المحبط إلى الخلف، ومن زبالاته المادية والمعنوية والفكرية. لكن طالما نحن خائفون، فالانهيارات لن تنتهي. لم نصل بعد إلى القعر. ولا حان زمن صعودنا من الهاوية. لا يزال علينا أن نكتشف، على حسابنا، وبجرأة أدبية حازمة تتحدى تهديد السلاح، أننا مضحوك علينا من الجميع، وأن ليس هناك أنبياء وشياطين في هذه السلطة، وأن من العيب أن نخاف من هذا ونتجرأ على ذاك.
هل يعني ذلك أن علينا أن نيأس؟ كلا. وبقوة.
يقول مثل صيني شهير: “انتبه مما تتمنى. اذ سوف يتحقق بالتأكيد”.
إذا كنا لا نزال نتمنى سقوط الفاسدين الواضحين وضوح الشمس، فسنتمنى في الآن نفسه، سقوط الفاسدين من تحت لتحت، وعلى أيدي جماعتهم بالذات…