Site icon IMLebanon

بلد “ارتجالي”

 

السلحفاة الحكومية تسير ببطء لا يطاق، حكومة احتاجت أشهراً لتتشكّل، و»الله بيعلم» كم ستحتاج لإقرار موازنتها، وكم من الوقت المتبقي من الزمن الدولي المتاح للعبث اللبناني المستمرّ.. بدون شكّ نعيش في بلد ركيك، لا شيء مدروس فيه حتى مشاريعه الكبرى أو قضاياه الكبرى، بلد «إرتجالي» بكلّ ما للكلمة من معنى، كلّ شيء فيه إرتجالي، لم نسمع يوماً عن خطط وضعت للنهوض بقطاع من هنا أو بنية تحتيّة من هناك، وأسوأ ما في هذا الارتجال أنّه إلى جانب كونه عبثيّ هو أيضاً «نكاياتي»، ففي عزّ الأزمات اللبنانيّة الخانقة يجد الفرقاء وقتاً للتشفّي ببعضهم البعض، والتحريض على بعضهم البعض، بل يجد بعض «التّوافه» يوميّاً مادّة للتراشق الداخلي باعتبار ترف الفراغ السياسي  الذي تعيشه البلاد!

 

خفت الحديث عن «مكافحة الفساد»، مجرّد موجة عبرت ركبها الجميع، انتهت الفورة، ليست الموازنة «نجمة» يوميّات اللبنانيين بل عمليّة البحث عن فئات من قطاعات موظفي الدولة لمدّ اليد على رواتبهم هو نجم الساعة، حتّى «التقشّف» إرتجالي في هذه البلاد السعيدة، إرتجالي إلى حدّ لا يُطاق، وكأنّه لا يوجد في هذا البلاد متخصّصين لإعداد دراسات وافية لهكذا موازنات، أو أصحاب اهتمام واطّلاع يشرحون للشعب ضرورات المرحلة، الارتجال «ضارب» أطنابه إلى حدّ سيودي بالبلاد ومن فيها، وإلى حيث ألقت رحلها…

 

ومخاوف أن يصيبنا «ألعن» ممّا أصاب اليونان يجب أن تكون جديّة جدّاً، وكلّ محاولات الطمأنة التي يجري بثّها هنا وهناك ليست أكثر من محاولات تسكين مخاوف جديّة تعصف بأذهان اللبنانيّين ويتمسكون بصمتهم لأنهم لا يملكون سوى التزام الصمت، وكيفية الخروج من المأزق الاقتصادي» سؤال يقضّ مضاجع اللبنانيّين ويطرحون حوله ألف علامة استفهام، فماذا بعد؟

 

لن تجد الحكومة في الأيام المقبلة ما تستطيع أن تشغل به الشعب اللبناني عن الواقع المأساوي الذي بلغته البلاد، هذه دولة مفلسة أخلاقياً وسياسياً منذ زمن بعيد، حان الوقت لتصبح مفلسة إقتصادياً، هذا البناء اللبناني الفاسد والمتهرىء لن تصل البلاد إلى أي إصلاح إلا إذا هدمت هذا البناء الموشك على الانهيار وإعادة بنائه من جديد ومن أساساته، ونشكّ كثيراً في أن نصل إلى هذه النّعمة، نعمة البناء على نظافة.

بدون شكّ نحن ذاهبون باتجاه هاوية الإفلاس، وقنبلة التأجيل اللبنانيّة ستنفجر في وجه الجميع طالما هم مستمرّين في الهروب إلى الأمام.. منذ البداية نبّهنا ـ ولا نزال ـ إلى أنّ هذه الحكومة لا تملك برنامج إصلاح، ولا مشاريع تنهض بالبلد واضحة التفاصيل، من المؤسف أننا كيفما تلفتّنا تطالعنا كلمة «كارثة» في السياسة في الاقتصاد في المال والأعمال والشؤون الاجتماعيّة والتلوّث، في السياسة نعيش كارثة سياسيّة وبكلّ معنى الكلمة، شاء الفرقاء اللبنانيون أن يعترفوا بها أم لها نحن ذاهبون باتجاهها!

 

يعيش اللبنانيون في قعرٍ مثقوب، لا تهدأ في قعره أيّ ذرّة تفاؤل لا بيوم لبنان ولا بغده القريب ولا البعيد أيضاً، ثمة حقيقة تفرض نفسها بأنّ أيّ موجة تفاؤل يجري بثّها في صدور اللبنانيين بعد ساعات قليلة هناك من يتعهّد بإجهاضها، والماضون في «الارتجال العبثي» ما يزالون يتّكلون على أمر واحد فقط هو صمت اللبنانيين العميق!