كـ»مجرور جونية» الذي أغرق صباحها بالأمس بالمياه الآسنة والقاذورات هكذا تماماً انفجر البلد في اليوميْن الماضييْن، ناسٌ تردح لناس، وناس تُهدّد ناس، البلد أكثر من «عصفوريّة» بكثير، البلد «شبكة مجاري سياسيّة»، ومن لم يلحقه بعد «طرطوشة» من نجس هذا «المجرور» خنقته الروائح الكريهة التي تهبّ كلّما قرّر البعض أن يقوم بجولة هنا وهناك!!
قد يكون وضع أهل جونية مع «المجرور» أهون بكثير من وضع الشعب اللبناني مع «الشبكة السياسيّة» التي تحكم البلد، في جونية «حدث خطأ في أشغال في شبكة مياه قديمة العهد أدّى إلى حدوث الكارثة»، في هذا البلد «شبكة الصّرف السياسي هي عبارة عن كارثة حقيقيّة، كلّما فتح موتور «باكابورت» فمه أغرق النّاس بقاذورات، ما شاهدناه خلال اليوميْن الماضييْن مثير للشفقة على «فرقة سياسيّة» تحارب كلّ الفرقاء اللبنانييْن، الحروب الدونكيشوتيّة مستمرّة وتزداد وتيرتها يوماً بعد يوم، وقليلٌ من سَلِمَ من هذه العصفورية التي انجرف الجميع بطوفان قذارتها!
بلد، لا تستطيع أن تثق فيه بالحدّ الأدنى على الأقل بورشة إصلاح «أشغال في شبكة مياه قديمة العهد»، فإذا بالخطأ في شبكة المياه يفجّر المجارير، ولا تستطيع في نفس الوقت أن تثق فيه بالسّلطة القضائيّة ولا العسكريّة ولا السياسيّة، ولا بالحكومة بجميع فروعها ووزاراتها ومكوّناتها إلّا من رحم ربّي، حفلة جنون «وقايمة»، وسبحان الله كيف يتوفّق المسؤولون في هذا البلد بملفّات «تستّر السّموات بالقبوات»، كان اللبنانيّون غاضبون من الموازنة التي مدّت يدها على جيوبهم و»كتّرت»، فإذا بالمشهد ينقلب «حرب عشواء» على المحكمة العسكرية وملف إيلي غبش والمقدّم سوزان الحاج وزياد عيتاني بكل التباساته حيث يحضر قاضٍ مدّعي عام إلى المحكمة ويترافع طالباً البراءة بدل العقوبة، في مشهد لبناني عجيب!
وسبحان الله كيف انتقل المشهد إلى حرب بين شريكيْ «التسوية» التي دفعنا ثمنها أكثر بكثير ممّا كنّا نتصوّر، إذ يصرّ وزير الخارجيّة على الإمساك بخيوط «الرئاستيْن» الأولى والثالثة ومن دون أن تسلم من يده الرئاسة الثانية!! ونحن هنا، ننبّه ونحذّر من حالة غير مسبوقة ولا مشهودة على مدى التاريخ المنظور للممارسة السياسيّة في لبنان، حيث ينفرد شخص واحد بإشعال الاستقرار السياسي في البلاد، وإيقاظ حروب وحساسيّات طائفيّة كنّا نظنّ أنّ البلد تجاوزها منذ أنهى الطائف الحرب اللبنانيّة ووضع أوزارها!
من المؤسف أنّنا نعيش زمناً يربى فيه «فرخ سياسي» كما بعض المزروعات على الريّ بمياه المجارير، هكذا خطابات سياسيّة آسنة وكريهة الرائحة تبدو مستهجنة إذ لا مسوّغ سياسي ولا إنتخابي لها، ثمّة مثل لبناني يقول: «كلّ شي عبابو بيشابه صحابو»، ومع تابعناه خلال اليومين الماضييْن هو صورة حقيقيّة خبرناها منذ عقود، نحن أمام ممارسة «زقاقيّة» و»بلطجيّة» و»شعبويّة لن تتغيّر مهما لبست لبوس السياسة، هذا الوجه، وهذه اللّغة نعرفها جيداً، وإذا ما رأيتموها تتحدّث بصوت منخفض وأدب فثقوا أنّ هذا وجه ناعم مستعار، وجه «التمسكن» إلى حين «التمكّن» للحظة الانقلاب المؤاتية!
«التّسوية»، ظننا أنّ الفرقاء السياسيين الذين مشوا بها يدفعون ثمنها أكثر ممّا توقعوا، سواء في معراب أو بيت الوسط، اليوميْن الماضييْن كانا كفيلان بالتأكيد للجميع أنّ لبنان كلّه يدفع باهظاً ثمن التسوية الرئاسيّة، ولكن.. لاتَ ساعة مندمِ!