IMLebanon

الانقلاب على الأسد من داخل طائفته

غازي دحمان

هل يمكن الانقلاب على بشار الأسد من داخل طائفته؟ سؤال قديم استدعاه تسريب معلومات عن وجود اتصالات بين جهات أميركية وبعض الضباط من الطائفة العلوية للإطاحة ببشار الأسد، على اعتبار أن من شأن ذلك إيجاد مخرج للأزمة السورية وفي الوقت نفسه ضمان عدم تعرض الطائفة للانتقام في المستقبل.

لا شك في أن الجهات الأميركية تستند في دعم هذا التوجه إلى جملة من المعطيات والحقائق تتوقع أن من شأنها إحداث تحولات داخل البيئة المؤيدة لنظام الأسد:

أولاً: وجود دينامية فاعلة على صعيد جبهة إسقاط الأسد يبدو أنها تملك قدراً من الطاقة والزخم يؤهلها للمضي حتى تحقيق أهدافها في إسقاط النظام، ما يجعل نظام الأسد في وضعية الساقط حتماً، وهو الأمر الذي أشارت إليه تقارير استخبارية غربية قدرت سقوط نظام الأسد خلال مدى زمني يقع بين نهاية العام الحالي ومنتصف العام المقبل، وتتقاطع هذه التقارير مع تقديرات قوى المعارضة انطلاقاً من استراتيجيتها في إسقاط النظام.

ثانياً: استنزاف الطائفة إلى حد بعيد، ما يضعها في وضعية تكون فيها غير قادرة عل خوض تجربة حرب شرسة تستنزفها في شكل أكبر، وهو ما يشكل حافزاً وإغراء للطائفة العلوية، إضافة إلى كونه فرصة لإعادة تموضعها في سورية المستقبل ضمن حل سياسي يضمن حقوقها وتسوية أوضاعها ويعفيها من الانتقام.

الافتراض النظري أن هذا الطرح يشكل فرصة لكل السوريين للخروج من المأزق، وهي فرصة تبدو رخيصة الثمن مقابل السيناريوات السود التي بدأت تحوم حول مستقبل سورية والتي تتركز في حدها الأقصى على استمرار الحرب والاستنزاف لسنوات قادمة وفي حدها الأدنى الذهاب إلى التقسيم وتشكيل كيانات طائفية سيكون الجميع خاسراً في ظلها.

لكن التطبيقات العملية لهذا الطرح تبدو صعبة، إن لم تكن مستحيلة في مواقع كثيرة، أولها، أن طرفي الصراع ورغم كل ما أصابهما من أعطاب وخسائر ما زالا يعتقدان بقدرتهما على الانتصار، ونتيجة هذا الإدراك الخاطئ يستمران في رفع سقف مطالبهما، كما أنهما لا يزالان يعتقدان بصحة موقفهما من الحدث وصحة سلوكهما تجاهه.

غير أن ما هو أهم من كل ذلك، أن نظام الأسد قد أفرغ جبهته من كل القوة التي اشتبه بأنها تشكّل ملامح بدائل ممكنة له، إما عبر إزاحتها بالقتل والتصفية أو من خلال عزلها، وكل الشخصيات السياسية والميدانية الموجودة حالياً، لا تملك اتصالات مع القوى الخارجية، إضافة إلى حقيقة أن تأثيرها محصور ضمن نطاقات معينة غالباً ما تكون مستغرقة في تفاصيل محلية قطاعية لا تؤهلها لقيادة حركة كبيرة بحجم انقلاب على رأس النظام، ناهيك بافتقاد حالة التنسيق بين هذه القيادات، ما يجعل إمكانية تأثيرها في المشهد العام معدومة وغير ذات تأثير كبير. إضافة إلى ذلك فإن غالبية مفاصل القوة باتت بأيدي خبراء إيرانيين وروس، وهذا أمر لم يعد خافياً على أحد.

هذا يستدعي التساؤل عما إذا كانت هناك أدوار إيرانية وروسية في هذه الخطة. فإيران تستطيع إنجاز مثل هذا الأمر وحدها من دون إشراك قوى خارجية وذلك نتيجة تحكمها بكل مفاصل السيطرة داخل منظومة الصراع السورية، وبالنظر لما تملكه من تشكيلات رديفة من ميليشيات عراقية ولبنانية تستطيع ملء الفراغ وضبط الصراع داخل جبهة النظام، ويرجح قيامها بمثل هذا الأمر لوجود قنوات تنسيق وخطوط تفاهم إقليمية بينها وبين الولايات المتحدة في حال حصولها على ضمانات ببقاء نفوذها في سورية المستقبلية، كأن يتم إقناع واشنطن بالضغط على الأطراف السورية للتحول إلى النظام الفيدرالي أو المحاصصة الطائفية بحيث تضمن كتلة معطلة في إطار بنية النظام السياسي الذي سيقوم في سورية ويحقق التوازن بين الأكثرية والأقليات.

أما روسيا، وإن كانت إمكانياتها أقل في إنجاز مثل هذا الأمر، بالنظر إلى طبيعة انخراطها الذي تركز على تزويد النظام بالأسلحة وتشكيل شبكة أمان دولية تحميه من قرارات مجلس الأمن، غير أن الواقع يقول أن الروس يملكون شيفرة منظومة التسلح السورية بكاملها وشيفرة مراكز القوى داخل الجيش والأجهزة الأمنية ولديهم قنوات تواصل وهم على اطلاع مكثف على مواقع القوة والضعف في بنية النظام بأكمله، وهذا الواقع يؤهلهم لصناعة تحولات داخل المشهد السوري وفي إطار بنية النظام على وجه التحديد، والأرجح أن أي تنسيق تجريه واشنطن مع دولة خارجية بخصوص الوضع السوري سيكون مع روسيا تحديداً، حيث يقع مثل هذا التنسيق في إطار استراتيجي دولي أوسع، يشمل التفاهم على حزمة من الملفات، وثمة مؤشرات عديدة يمكن البناء عليها عن ملامح تحول في الموقف الروسي أو أقله عن انخراط روسي في مثل هذه الخطة، وفي هذا الإطار كان لافتاً تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب لقائه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن سبب تمسك روسيا برأس النظام السوري هو الخوف من حصول فوضى، إذ يمكن رد هذا التصريح إلى الموقف الروسي الذي يتمسك بالمحافظة على النظام وليس على شخص الأسد نفسه.

لا شك في أن خروج الأسد يمثل حلاً للأزمة، لكن إلى أي درجة نضجت الظروف لاستيعاب مثل هذا التطور والدفع به؟ تطورات المشهد السوري الميدانية في الفترة القادمة من شأنها توضيح مدى جدية هذا المتغير.