في لبنان إنقلب المنطق على المنطق. فتحولت «الإشاعات» إلى حقائق، و»الحقائق» إلى إشاعات.
ومن علامات المنطق المقلوب أيضاً، ورغم براءة الزميل رفيق شلالا يقينياً من إرتكاب هذا الإثم، قيام مكتب إعلام رئاسة الجمهورية بدور النائب العام. فقد هدّد، ببيان رسمي، بملاحقة «المجرمين» الذين يسيئون إلى مكانة الدولة المالية!. ولا ندري إذا كان سينال بتهديده من مدير مؤسسة «فيتش» الأميركية، وبالتالي، معاقبته على تصنيفه السلبي للبنان، مسبباً هز سمعة البلاد المالية في العالم.
ولا ندري كذلك، ما إذا كانت النيابة العامة الرئاسية المستحدثة، ستستدعي الرؤساء الثلاثة للتحقيق حول تصريحاتهم، التي لم تسقط بمرور الزمن، والتي أساءت، بشكل غير مسبوق، لمكانة الدولة المالية. وهي تصريحات مثبتة بالصوت والصورة… والنتائج، التي شكلت بداية تراقص الليرة المذبوحة من الألم.
واستمراراً في اللامنطق، يجري تهميش «محكمة المطبوعات» باستيلاء محاكم الجزاء على زبائنها من كتاب ومن «زبانية» الرأي وحرية التعبير. ويتم ذلك من خلال بدعة «جرائم المعلوماتية»، التي أطلت علينا من خارج أي نص في قانون العقوبات… فهي ليست أكثر من خارج عن القانون يتولى تنفيذ القانون.
أما العدالة، فلم تعد على مسافة واحدة، بين من هزل وضعف دخله، وبين من أتخمت وتضاعفت مداخيله. فالدولار «المدعوم» يدعم فقط كبريات الشركات وكبار التجار. أما العامة فعليهم الركض وراء الدولار الفالت على حل شعره، لدفع فاتورة الخلوي وقسط السيارة وثمن تذكرة السفر… وغير ذلك الكثير من المقدر وغير المقدور عليه.
إن ما يحصل للبنانيين يتجاوز خلطة الحابل بالنابل.
إنها الفوضى التي لم تبلغها الحرب الأهلية السيئة الذكر، والتي تبين أنها أخف وطأة من أثقال السلم الأهلي، الذي نعيش فيه الآن، والذي يعتاش منه الفساد، وتنصب فيه الكمائن السياسية، وتقوم باسمه «تفاهمات» أبغض الحلال.
أيامها، كنا نعرف من مع من.
ومن ضد من.
ومن يقصف من.
ومن ينسّق مع من.
اليوم كل التحالفات حبلى بالخصومات. وهي إما تحالفات «كالنسكافيه» سريعة الذوبان. وإما خصومات «كالقطة» بسبع أرواح.
ترى ماذا بقي من لبنان الذي يعرفه العالم؟.
الحرية؟ لولا اعتراض سعد الحريري، لخضعت لخيار «تَمدح أو تُسجن».
المساواة؟ لقد تم فرزها إلى «سمنة وزيت».
العدالة؟ لم تعد تحلّ نعمها إلا لمن قال «نعم».
الديمقراطية؟ إنحازت إلى تغليب رأي الأقلية المسلحة، على رأي الأكثرية المنزوعة السلاح.
رغم كل ما فقده لبنان من حرياته التاريخية، وديمقراطيته الراسخة،… بقي له «العهد القوي» الذي يستطيع أن يباهي به الأمم… وعين الحسود فيها عود، وبتعبير قد لا يليق، تبلى بالعمى.