العادة المعروفة عند المسؤولين الأميركيين هي أنهم يؤلفون الكتب ويعرضون مذكراتهم الشخصية والوظيفية لكن بعد أن يخرجوا من وظائفهم ومسؤولياتهم ويتحرروا من تبعات الكشف عن وجهات نظر خاصة بهم، مختلفة أو متمايزة، عن الموقف الأساس للإدارة وقيادتها في البيت الأبيض.
وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون كانت آخر (وأشهر) من فعل ذلك. وتبيّن من فعلتها أن «ملاحظاتها» على أداء رئيسها باراك أوباما وسياسته إزاء النكبة السورية، كانت كبيرة وجذرية، وليست طارئة وعابرة وهامشية، ووصلت إلى حد تحميله المسؤولية عن وصول تلك النكبة إلى مستوى «داعش» بسبب تردّده وخياراته التي سمحت بجعلها تطول وتعسّ وتتحوّل إلى مغناطيس جاذب لكل أنواع الإرهاب وصفوف الإرهابيين.
لكن وزير الدفاع الأميركي الحالي تشاك هاغل قرر شيئاً آخر: الكشف عن تمايز خطير بين موقفه وموقف رئيسه من الأزمة السورية، وهو لا يزال في منصبه! لم ينتظر، أم لم يعد يطيق الانتظار كي يصل الزمن به إلى الخروج من الإدارة ليكتب مذكراته ويبني أمجاداً (وأموالاً) على أساسها من دون أي تبعات خطيرة!
وبطبيعة الحال، ما يكشفه هاغل وغيره من المسؤولين السابقين هؤلاء عن أسرار وظائفهم وقراراتهم وعمل إدارتهم، ليس سوى نتف متفرقة من مخزون كبير وحسّاس. شيء بسيط من أشياء كثيرة وعويصة، وخصوصاً أن العقد الوظيفي (بل القانون في أساسه) يمنع على أي مسؤول خلال عمله أو بعده، «الاستطراد» في كشف أي أمر يتعلق بالأمن القومي الأميركي أو يعرّض المصالح العليا لبلاده للخطر، خصوصاً في سياستها الخارجية.
وهذه أميركا، أي أن «سياستها الخارجية» تقرر من دون أي مبالغة مصائر أمم وشعوب ودول وقادة في أكثر من قارة، وخصوصاً في نواحينا!
وبالتالي فإن مطالبة الوزير الشجاع رئيسه أوباما بـ«توضيح» موقفه ونيّاته تجاه سلطة الأسد، يدلّ على شيء كبير واستثنائي أكبر وأكثر استثنائية من إشكالية كسره قانون الصمت طالما أنه لا يزال في منصبه.. فهو وزير سيادي! (على الطريقة اللبنانية) ومسؤول عن أقوى جيش في العالم. وما فعله مع رئيسه، يُقارب بمعايير العالم الثالث، الانقلاب وليس أقل!
.. الأمل أن ينجح ذلك «الانقلاب» في «توضيح» سياسة أوباما تجاه سوريا. لكن بانتظار ذلك، يكفي المعارضة السورية والأتراك ومعظم الدول والشعوب العربية، أن يقف وزير الدفاع الأميركي في صفّهم ويقول بالفم الملآن مرارة: «إن السياسة (الأوبامية) تجاه سوريا تواجه خطر الانهيار»!
يكفي أن وزير دفاعه لم يعد يفهم عليه! ويقول مع القائلين: إن «داعش» أحجية، لكن سياسة أوباما أحجية أكبر!