IMLebanon

«انقلاب» جميل السيّد؟

 

    

الطوائف اللبنانيّة كلّها منشقّة داخليّاً باستثناء الطائفة الشيعيّة. هذه هي البداهة التي يعرفها مَن يتابع تشكيل الحكومة اللبنانيّة، ومَن تابع الانتخابات العامّة قبل أشهر.

في تشكيل الحكومة، هناك سنّة الحريري والسنّة الأنتي حريري، ودروز جنبلاط والدروز الأنتي جنبلاط، ومسيحيّو عون ومسيحيّو «القوّات». أمّا شيعة «أمل» وشيعة «حزب الله» فواحد لا يسري عليهم الانقسام. هكذا خاضوا الانتخابات وهكذا يخوضون تشكيل الحكومة.

 

نتيجة كهذه أسبابها كثيرة، في عدادها وجود السلاح في يد أحد طرفي الثنائيّة الشيعيّة، واستغراق الطرف الثاني في الإدارة. «السلاح المقاوم» يخلق نوعاً من العزوف، إن لم يكن الاحتقار، لـ «حصص الطوائف»، يعزّزه أنّ إيران هي التي تدفع النفقات المتوجّبة. طرف الثنائيّة الثاني يتفرّغ للحصص. تقسيم عمل رائع يضفي المقاومة على الحصص، والشرعيّة على المقاومة.

 

هذا لا يعني أنّ الطرفين لا يتصارعان ولا يختلفان. هناك فوارق قد تحملهما على ذلك إذا تشكّلت ظروف مناسبة. وهما سبق أن تصارعا في الثمانينات في إحدى أعنف حروب الحرب اللبنانيّة. لكنّهما في النهاية توصّلا إلى تسوية أثبتت قابليّتها للحياة.

 

خارج الوعائين التنظيميّين، لم يخل الأمر من توتّر كان الوعاءان إيّاهما يستوعبانه ويكبحانه. التوتّر من طبيعة جهويّة: البقاع في مقابل الجنوب. البقاعيّة يسكنها شعور بالغبن لم يخاطبه تنظيما الطائفة في ظلّ قيادتهما الجنوبيّة. العشائر، أوتنظيماتها الأهليّة السابقة على الحزبيّة الطائفيّة، مفتّتة أو مهمّشة. خوف «حزب الله» من أن تأتي نتائج الانتخابات في بعلبك مخالفة لتوقّعاته، كان معبّراً. التعويض عبر المشاركة في الحرب السوريّة بوصفها «حرب البقاعيّين»، مقابل الحرب مع إسرائيل بوصفها «حرب الجنوبيّين»، لم يتحقّق. ذاك أنّ القرار والسيطرة والتعويض في أمر حسّاس كهذا تعود كلّها إلى الحزب وقيادته.

 

الأسماء لا تُقنع بالتساوي في زعامة الطائفة. نبيه برّي وحسن نصرالله جنوبيّان. الاثنان يوصفان بالخلود حيث هما. ذات مرّة كان البقاعيّ حسين الحسيني على رأس «أمل»، ثمّ بات البقاعيّ عاكف حيدر نائباً لرئيسها. هذا أصبح من الماضي. من يعرف اليوم أنّ البقاعيّ هيثم جمعة نائب رئيس «أمل»؟ البقاعيّ صبحي الطفيلي كان ذات مرّة الأمين العامّ لـ «حزب الله»، بل كان أوّل أمنائه العامّين. الطفيلي تحوّل أحد الأشرس في مخاصمة حزبه القديم. البقاعيّ إبراهيم أمين السيّد كان أوّل من أعلن عن وجود الحزب إلى العالم. هذا أيضاً صار من الماضي. حتّى رئيس الكتلة البرلمانيّة لـ «حزب الله» جنوبيّ: محمّد رعد.

 

من يعودون قليلاً إلى الوراء، إلى ما قبل الحرب، يتذكّرون أسماء بقاعيّين لعبوا أدواراً أساسيّة في السياسة اللبنانيّة كسليم حيدر وصبري حمادة، أو يذكّرون بجهود جدّيّة بذلها موسى الصدر لاستحضار البقاع إلى الحلبة السياسيّة.

 

اليوم تتجمّع إشارات تفيد أنّ جميل السيّد، الذي تقلّب بين الجيش والأمن العامّ والسجن والسياسة، يتأبّط شرّاً. النائب البقاعيّ الذي ترعرع على الشهابيّة ونضج على الأسديّة يملك ما يكفي من مشاعر العداء لـ «السياسيّين التقليديّين» الذين يدرج وصفهم بالفساد ونقص الكفاءة والإنجاز. هذه عيوب يرى العسكريّون أنّهم وحدهم المؤهّلون لتصحيحها. السيّد يضع يده على جرح التمثيل السياسيّ للبقاعيّين كأنّه يقول ضمناً إنّه الشخص الجاهز والمؤهّل لإحداث «حركة تصحيحيّة» في الطائفة تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله. ونعلم كم أنّ «الحركات التصحيحيّة» تغلّط أكثر ممّا تصحّح، كما نعلم أنّ الضبّاط غالباً ما ينفّذون انقلابات باسم حقوق الشعب ومصالحه، لا تلبث أن تخدم حقوقهم ومصالحهم.

 

ويُخشى اليوم أن نكون أمام تراكم من المرارات يلبس صاحبه لبوس الحقّ والعدل علّهما يسهّلان اختراق جدران صلبة للذين يريدون الوراثة من الخارج، وعبر الانقلاب. ومن يدري! فمعركة الوراثة في «أمل» قد تُفتتح في أيّة لحظة. لكنْ يبقى أنّ الصراع على حكم نصف طائفة بعد حكم بلد بأكمله يقول الكثير عن البلد وحكمه، لكنّه يقول أكثر عن الراغبين في الانقلاب عليه.