IMLebanon

انقلاب «السلطان» على «الأردوغانية»!

سوريا ميدان مفتوح على تسجيل الخسائر والأرباح. الجميع يحاربون ويتحاربون، و»المايسترو« باراك اوباما، يدير «اللعب الدموي»، بلا رحمة. الآن والرئيس اوباما قد دخل مرحلة العد التنازلي لمغادرة البيت الأبيض، فانه لم يعد يمكنه اتخاذ قرار يعرقل خليفته سواء كانت هيلاري كلينتون او دونالد ترامب، في قضية مثل سوريا تعني منطقة مثل منطقة الشرق الاوسط التي مهما اهملت فإنها تعود الى الواجهة حتى لو كان الخيار الآخر في منطقة المحيط الهادئ. بدلا من ذلك فان اوباما يتحرك لترك رصيد يمكن للخليفة المنتخب العمل والبناء عليه. ويبدو واضحا ان اوباما اختار «اللاعب» الاول في إدارة اللعب «القيصر» الروسي فلاديمير بوتين، الذي اثبت منذ «ولادته» السياسية انه «يضرب ويسحق» ثم يبني على «الأشلاء» سواء كانت سياسية او حتى بشرية. 

أمام هذا الواقع، الآخرون يخسرون خلال «اللعب» حتى انتهاء رسم المسارات وتحديد «المحطة« الاخيرة. من الواضح حتى الان ان «لاعبا» اقليمياً قد خسر كثيراً، وحتى لا يخسر كل شيء انقلب على نفسه حتى تبقى بلاده واقفة على رجليها. الرئيس التركي رجب طيب اردوغان انقلب على «الاردوغانية»

التي أراد ان يكون نتيجتها «السلطان» وان تعود تركيا باسم «العثمانية الجديدة« صانعة للسياسة الإقليمية التي تؤهلها للدخول الى «نادي« القوى الكبرى. لا شك ان اردوغان اثبت بأنه زعيم وطني يضع مصلحة بلاده فوق شخصه. 

في قلب التحول «الاردوغاني» الذي يكاد يصل الى درجة «الانقلاب« على ذاته، الأكراد وطموحهم ونشاطهم العسكري والسياسي الذي اصبح في قلب صناعة تاريخ منطقة الشرق الاوسط وجغرافيتها، بعد مئة سنة على تجاهلهم في اتفاقية سايكس – بيكو. ادرك اردوغان ان الغرب وتحديدا واشنطن الذي تحالف ودعم أكراد سوريا لتشكيل» شريط» مستقل او حتى تحت صيغة حكم ذاتي كما في العراق، يمهد لتكرار الصيغة نفسها في تركيا التي لا تتحمل ذلك لانه مثل بتر «قدميها«. لذلك كله تصالح وقدم السلطان تنازلات حقيقية سيكشف الوقت عاجلا مدى حجمها لكل من موسكو وتل ابيب. المهم الآن ملاحقة الخاسرين وتحديد حجم خسائرهم. 

المعارضة السورية و»حماس» خاسران كبيران من هذا «الانقلاب«. لا يمكن منطقيا ان تكون سياسة اردوغان في سوريا بعد الاتفاق، كما كانت قبله. التنسيق مع موسكو سيكون في قلبه الموقف التركي في سوريا. الكلام المسرب عن إمكانية قبول تركي ببقاء الاسد لفترة ولو محدودة في إطار الحل السياسي لانه « يشكل ضمانة بعدم قيام دولة كردية في سوريا «مؤشر خطير لانه مفتوح على كل الاحتمالات، خصوصا في ظل المتغيرات التي ستتبلور في العام المقبل. على المعارضة السورية ان تتحرك وتدرس خياراتها بسرعة حتى لا تكون كما يقال «فرق عملة«!. 

«حماس» تحركت ويبدو انها اختارت الواقعية السياسية على الايديولوجية. كل شيء يكمن في ما قاله اردوغان لخالد مشعل. «حماس« مضطرة في ظل محاصرتها سياسيا وجغرافيا للعودة الى احضان ايران. «الحرس الثوري« قدم لهذه المصالحة بنفي لتصريح لم يجف حبره بعد قيل فيه «ان حماس تفاوض الصهيونية«. التصريح الجديد الرسمي باسم «الحرس» ان «حماس في الخط الأمامي للمقاومة الفلسطينية ضد الصهيونية«. يقال ان خالد مشعل قد يدفع الثمن، لكن بالنسبة لإيران من الأفضل التعامل مع مسؤول مهزوم على التعامل مع قيادي صاعد. 

هنا يبدو وكأن ايران رابحة. في الواقع لن تربح لأن واشنطن وموسكو لا ترغبان ولا تريدان « شركاء لهما«. منسوب القوة المرتفع لدى المرشد آية الله خامنئي يتم العمل لتنفيسه. الأكراد عادوا للنشاط العسكري. الفصائل الثلاثة: الحزب الديموقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي الكردستاني (كوملة) وحزب «الحياة الحرة الكردي« (بجاك)، تتنافس في النشاط. الحركة الكردية الاستقلالية نواتها في «جمهورية مهاباد« التي باعتها موسكو للشاه عام بعد ان حضنتها. طهران وصفت «الانفصاليين« بأنهم اشرار ومعادون للثورة». زيادة في الهموم الايرانية، تبرز الصدامات القديمة والمتجددة في بلوشستان الايرانية والتي تأخذ طابعاً قومياً ومذهبياً في وقت واحد. هذا ما يقلق النظام الايراني، اما مريم رجوي و«مجاهدي خلق»، فان طرحهم البديل له فانه يريحه شعبيا….

في الحالة الايرانية يوجد خاسرون. اي حل سياسي لا يمكن ان يقوم دون تقديم القوى تنازلات مؤلمة. لا يمكن لإيران ان تتحرك بعد انخراطها في سوريا مع روسيا «القيصر» دون الأخذ في الاعتبار ان الاولويات في سوريا قد تغيرت، خصوصا ان التفاهم الاسرائيلي – الروسي يكاد يصبح تحالفا بعد ان طال النفط والغاز. السؤال الكبير ماذا ستكون السياسة الايرانية بعيدا عن الخطابات الشعبوية من فلسطين، خلال السنوات الخمس والعشرين التي حددت للانتصار على اسرائيل؟ وماذا سيفعل «حزب الله« في كل هذه السنوات وهو غير قادر على تحرير القدس ولا المشاركة في صياغة سياسة الغاز والنفط في المنطقة بعد تأكيد الحماية الروسية للغاز بعد شراكتها مع اسرائيل في إنتاجه؟. 

لقد امتلك «السلطان» الشجاعة السياسية للانقلاب على نفسه لضمان مصالح بلاده، فهل يملك المرشد مثل هذه الشجاعة ام يتابع سياسته واصراره على ديمومة خطوطه الحمراء فيدفع الثمن من استقرار إيران ومن قوة «حزب الله«؟