Site icon IMLebanon

إنقلاب أم ماذا؟

 

البلد في أزمة سياسية خطيرة، علينا ان نعترف بهذا الواقع، ولا نخبئ اعيننا باصبعنا، لأن هناك من يتعمد دفع البلاد إلى مثل هذه الأزمة من دون أي رادع، ومن دون ان يحسب أي حساب للنتائج الخطيرة التي تترتب عن الامعان في تسعير هذه الأزمة من نتائج على الوحدة الوطنية بما يُعيدنا بشكل أو بآخر إلى زمن الحرب الأهلية التي دمرت هذا البلد وكادت ان تقسمه إلى كونفدراليات طائفية ومذهبية تتقاتل في ما بينها، ومن يقول العكس ويدعي ان الأمر لا يتعدى مجرّد زلات لسان لا أكثر ولا أقل ليس المقصود منها إثارة الغرائز والنعرات الطائفية يقصد العودة إلى ما قبل اتفاق الطائف الذي اوقف تلك الحرب العبثية المدمرة، إما ان يكون مخطئاً أو ان يكون شريكاً مضارباً في دفع البلاد نحو هذه الفتنة في الوقت الذي تتخبط فيه المنطقة بمنزلقات خطيرة جداً، لعل أبرز وجوهها تقسيمها إلى دول مذهبية وطائفية وعرقية ضعيفة متناحرة في ما بينها لمصلحة دولة إسرائيل القوية والمتماسكة بين تلك الدويلات.

 

منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي حصلت بعد تلك التسوية الشهيرة التي قادها الرئيس سعد الحريري، اعتقاداً منه انه بذلك ينقذ البلد من فتنة طائفية متعددة الأبعاد وفي الوقت نفسه يوقف انهيار الدولة الذي كان يتهاوى كلما مر يوم على الفراغ في سدة الرئاسة الأولى وما يستتبعه من فراغ أو شلل في كل المؤسسات الدستورية الأخرى وهناك فريق داخل الحكم يتصرف على أساس انه هو الحاكم المطلق يتصرف خلافاً للدستور الذي وضع بناء على وثيقة الوفاق الوطني التي اقرها اتفاق الطائف الذي انعقد في المملكة العربية السعودية وأوقف الحرب الأهلية التي قسّمت لبنان في ذلك الوقت إلى عدّة دويلات بدلاً من الدولة الواحدة وإعادة تنظيم العلاقات بين الطوائف التي يتشكل منها هذا البلد بما يؤمن التوازن الصحيح داخل السلطة، ويلغي الامتيازات التي كانت تتمتع بها بعض هذه الطوائف، وبكلام أكثر وضوحاً الطائفة المارونية على حساب باقي الطوائف. ولم يكتف هذا الفريق بذلك بل ذهب إلى حدّ الانقلاب الفعلي على هذا الاتفاق، ولم يعد يعترف به كما تشهد على ذلك ممارساته خلال السنتين وأكثر اللتين مضتا على التسوية الرئاسية بما أدى إلى خلق شعور عام بأن الأمور إذا ما استمرت على هذا المنوال من الهيمنة والتفرد وعدم الاعتراف بالآخر، ومن التمادي في الانقلاب على الطائف من خلال تكريس اعراف جديدة، تعيد لبنان إلى ما قبل العام 1975، أي إلى زمن الهيمنة المارونية على السلطة، وعلى كل مقدرات البلاد رغم كل ما افرزه الواقع الديمغرافي من متغيرات على أرض الواقع إلى ان وصلنا اليوم إلى حدّ ما نسمعه من أحد صقور الفريق الآخر من تذكير بالحرب الأهلية من خلال توجيه السهام إلى السنيَّة السياسية أو من خلال تسعير الغرائز الطائفية في البلاد، وهو أمر خطير من شأنه ليس ان يحل الأزمة التي تمر بها البلاد والناتجة عن سوء إدارة الحكم بل يزيدنا اقتراباً من الفتنة الداخلية مجدداً.

 

ان المطلوب اليوم قبل غد، وغداً قبل بعده، ان يقف هؤلاء عند حدودهم والا سيجدون أنفسهم ويجدون البلد برمته في المستقبل القريب لا يعيش أزمة سياسية وحسب من شأنها ان توقف عجلة الحكم، بل في وضع غير محسوب، أقله العودة إلى تسعير نار الحرب الأهلية، فهل هذا المقصود من الانقلاب الذي يقودونه على الطائف عبر خلق اعراف جديدة، نرجو ألا يكون الأمر كذلك.