اليمن ينتقل من انقلاب الى انقلاب على ثورة الشباب السلمية خلال موجة الربيع العربي. فالثورة التي أصرّ الشباب على أن يبقى سلاحها الاعتصام والتظاهر حتى في مواجهة الرصاص أثارت مخاوف قوى اقليمية ودولية. والمخاوف كانت أقوى من آمال اليمنيين بنظام ديمقراطي تعددي بعد ثلث قرن من نظام استبدادي برئاسة علي عبدالله صالح. وما قاد اليه مزيج المخاوف والمصالح في صراع جيوسياسي هو درس في القضاء على ثورة بأسلوبين مختلفين لانقلابين خطيرين.
الانقلاب الأول جاء بأسلوب ناعم عبر الحوار والضغوط الخارجية لترتيب تسوية ضمنتها عشر دول ورعتها الأمم المتحدة. وهي بالطبع التسوية التي خرج بموجبها علي عبدالله صالح من الرئاسة لمصلحة نائبه عبدربه منصور هادي، مع بقاء الأكثرية التابعة له في المجلس النيابي، وضمان نصف الحقائب لحزبه في الحكومة، وترك العديد من أنصاره في الجيش والحرس الجمهوري.
والانقلاب الثاني جاء بالقوة على مراحل تخللتها حوارات واتفاقات كان أنصار الله من جماعة عبد الملك الحوثي يمارسون خلالها العمل على خطين: المكاسب على الأرض، والمكاسب على ورق السلطة. فهم حصلوا سلفاً على الدعم من ايران. وهم في بداية اندفاعهم العسكري من صعدة الى عمران ثم صنعاء وبعض المحافظات طرحوا شعارات جذابة دفعت يساريين وليبراليين الى دعم تحركهم.
لكن الدعم الداخلي الأهم جاءهم من علي عبدالله صالح الذي خاض ضدهم ست حروب خلال رئاسته، ثم تواطأ معهم للانتقام ممن أخرجوه من السلطة. فهو كان يصف الحكم في اليمن بأنه مثل الرقص بين الأفاعي. ولم تكن براعته في الرقص بعد السلطة أقل من براعته خلال الرئاسة. والدعم الآخر جاء من ضعف الرئيس هادي الذي سكت على اجتياح العاصمة ورأى الجيش يتخلى لهم عن مواقعه وعتاده، واتخذ قرارات أدخلتهم في مفاصل السلطة متصوراً أنه يستطيع باللعب معهم الحفاظ على شرعيته واستمرار الرقص مع الذئاب.
اليوم يستطيع الحوثيون أن يقولوا للرئيس هادي بعد الاستيلاء على دار الرئاسة بالقوة ان اللعبة انتهت بالنسبة الى المبادرة الخليجية. لكن من الوهم أن يتصوروا ان اللعبة انتهت في اليمن، حيث القبائل مسلحة والقوى الاقليمية مستنفرة والشحن المذهبي دخل على الخط. فالطريق المفتوح حالياً للحفاظ على شكل ما للشرعية مع الامساك الفعلي للحوثيين بالسلطة مفتوح على أسئلة كبيرة: هل يدخل اليمن في حرب أهلية لها أبعاد اقليمية ودولية؟ هل يعود الجنوب للانفصال عن الشمال مستعيداً استقلاله؟ وهل يخطط عبد الملك الحوثي الذي عمل حتى الآن بذكاء لعودة الإمامة؟
الأجوبة على الأرض، لا على أوراق الاتفاقات.