لبنان في حال إنقلابية، وليس في انتظار إنقلاب. وهي حال تتجاور فيها أربعة “إنقلابات” غير مكتملة. وكلها طبعاً من خارج الجيش المحصن ضد إغراء الإنقلابات التي تقوم بها الجيوش، الرافض لدعوته الى القيام بإنقلاب، والحريص على أن يبقى موحداً وصمام الأمان للبلد. أما الحال الإنقلابية الوحيدة المرشحة للإكتمال، فإن حسابات أصحابها الدقيقة في انتظار أن تنضج ظروف إقليمية ملائمة تسبقها حماقات وأخطاء وأحقاد محلية تقود الى الإنهيار الكامل. وأما الناس المسروقة والمهانة والمتروكة لقدرها، فإنها تبدو عاجزة عن الإنتظام في كتلة شعبية وازنة تفرض التغيير الجذري.
الحال الإنقلابية الأولى هي حال “حزب الله”. فهو يملك جيشاً كامل الأوصاف وإقتصاداً مستقلاً ونظاماً مصرفياً خاصاً، ويتحكم بالمؤسسات والمرافق الأساسية للدولة. وهو يمارس سياسة وعلاقات خارجية تناقض مصلحة لبنان مع العرب والغرب، ويشارك عسكرياً في حرب سوريا وسياسياً وأمنياً في اليمن والعراق ويلعب دور قوة إقليمية في بلد صغير.
الحال الإنقلابية الثانية هي حال التركيبة السياسية الحاكمة التي انقلبت في الممارسة على الدستور والنظام الديموقراطي البرلماني. فهي تدمن الفراغ في بقايا جمهورية بلا حكومة ولا مواعيد ثابتة، لا للانتخابات النيابية ولا للانتخابات الرئاسية. وأقل ما ينطبق عليها هو قول الرئيس التونسي قيس سعيد عن “الأقوياء” في بلاده: “إنهم لا يعيشون إلا في ظل الأزمات، لأن الأزمة وخطاب الأزمة عندهم وسيلة من وسائل الحكم”.
الحال الإنقلابية الثالثة التي كان مطلب الشعب والخارج أن تكتمل هي “حكومة المهمة” الإنقاذية المؤلفة من إختصاصيين من خارج المحاصصة، والتي كانت في صلب المبادرة الفرنسية للرئيس إيمانويل ماكرون. فهي إنقلاب على المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة. ولذلك تضامن الخائفون على مصالحهم من الإصلاحات وتوقف السطو على المال العام والخاص، فوضعوا الحواجز أمام حكومة كهذه. حتى في التسليم الشكلي بها، فإنهم يتقاتلون على تسمية إختصاصيين تابعين للأحزاب. وبعضهم يصر على مشاركة الأحزاب على أساس أن الأصيل أفضل في مواجهة التحديات من الوكيل الذي يعيّنه.
والحال الإنقلابية الرابعة التي كانت بداية أمل في ولادة تيار يقوده جيل جديد عابر للطوائف والمذاهب والمناطق، ويكون البديل من التركيبة الفاسدة التي قادت لبنان الى الإفلاس والعزلة هي ثورة “17تشرين”. لكن المافيا استخدمت كل الوسائل لتشويه صورة الثورة وضربها وتفريق قواها بإثارة العصبيات الطائفية والمذهبية.
يقول الشاعر الإغريقي أرخيلوس: “الثعلب يعرف أشياء صغيرة كثيرة، لكن القنفذ يعرف شيئاً واحداً كبيراً”… وهو بالطبع قذف ريشة قاتلة منه. ونحن نرى الكثير من ألعاب الثعالب على المسرح السياسي. ولا أحد يعرف متى تدق ساعة التحرك لدى القنفذ.