مثل العادة، لا مجال لتوقع أي تغيير في التفكير أو التصرف. فريق 14 آذار، يقف اليوم على عتبة ما يعتقد أنه مرحلة جديدة في المواجهة مع حزب الله. ومثل كل مرة، يقاتل هؤلاء بعضلات غيرهم. اليوم، تتجه أنظارهم الى المحكمة الدولية. ينتظرون خطب الشهيد الحي مروان حمادة، وصحبه من موظفي الراحل رفيق الحريري. وسوف نستمع الى كلام سياسي عال. وهذه المرة، فالشبيبة لا يطلب منهم الحديث عن أدلة وبراهين، بل عليهم مساعدة الادعاء العام على تبرير اتهامه.
وسوف يطلقون ما تيسّر من كلام سياسي يصب في خانة أن رفيق الحريري كان رأس حربة في مشروع يعارض مصالح سوريا وإيران وحزب الله. فقرر هؤلاء التخلص منه. ولذلك عمدوا الى اغتياله. هذه المرة، سيكون موظفو الحريري أحراراً من ضغوط لبنان وتفاصيله، ولن يقفوا عند خاطر وليد جنبلاط ولا غيره من السياسيين. هم يعرفون أن المواجهة القائمة في المنطقة تجعلهم يحظون بغطاء من يهتمون لرضاهم، أي السعودية وفرنسا والولايات المتحدة.
يتناسى هؤلاء أن حزب الله تجاوز قدراتهم، وصار لاعباً مركزياً في فلسطين وسوريا والعراق واليمن
سوف نكون أمام مباراة خطابية، مادتها الأصلية ما لم نسمع به من قبل. طبعاً سوف ترد كثيراً عبارات عن الدولة والإعمار والاستقلال والسيادة. وسوف ترافقها كلمات عن الدويلات ومخالفة القوانين والوصاية والهيمنة والاحتلال. وسوف ينظر المتحدثون الى عيون المستمعين إليهم في قاعة المحكمة، وسوف يلتفتون الى الكاميرات، حيث يتوجهون بالكلام الى من يعتقدون أنهم يستمعون إليهم، أحبة أو أصدقاء أو أوصياء، إضافة الى الأعداء. والفكرة الاساسية، هي في كيفية إيجاد الرابط بين النظام الأمني المشترك، الذي سبق أن اتهموه في إفاداتهم السابقة، وبين كونه يمثل رأس النظام الحالي في سوريا، أي الرئيس بشار الأسد، ثم بين هؤلاء وبين حزب الله باعتباره كان اللاعب الوحيد خارج الرقابة كما يعتقدون. وهم بالتأكيد لن يأتوا على سيرة أي لاعب أو متهم آخر. هم لا يعتقدون أبداً أن للحريري خصومة مع إسرائيل تستدعي منها قتله، ولا مع تنظيم «القاعدة» ولا مع أي مافيا سبق لمثيلاتها أن قامت بما هو أكثر وأخطر.
لكن، ماذا عن النتيجة؟
المرجّح أن هذا الفريق يراهن على هذه الحفلة لتحقيق أغراض تخصه وحده دون بقية اللبنانيين وبقية العالم أيضاً، لكن من الواجب لفت انتباه هؤلاء الى أن مستفيداً آخر ينتظر هذا الجنون، وهو إسرائيل.
ــ هم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يعوّمون المحكمة الدولية، ويفتحون المجال أمام نقاش جديد يراد منه إعادة الاعتبار لشرعية شعبية مهتزة لبنانياً وعربياً ودولياً بهذه المؤسسة.
ــ هم يعتقدون أنهم بهذه الحفلة يحيون من جديد ما خفت حيال اتهامات لحزب الله بالإرهاب في لبنان والمنطقة والعالم.
ــ هم يعتقدون أنهم يواجهون معضلة العالم في سوريا، من خلال إعادة الاعتبار للاتهام لسوريا ورئيسها، على الرغم من أن فريق الادعاء لم يجد دليلاً مناسباً كي يورده في مضبطة الاتهام.
ــ هم يعتقدون أنهم يقدرون على إعادة تنشيط عصبية مفككة لتيارهم السياسي، لكن وفق الأدوات المنتهية الصلاحية نفسها كالتي قامت في عام 2005.
ــ هم يعتقدون أنهم يعودون الى احتلال الشاشات والمنابر، ويفرضون على الرأي العام حفلة من التكاذب والتفنيص التي تبرر لهم قول ما يريدون قوله لغايات أخرى. والله أعلم ما إذا كان سمير جعجع سيأخذ من هذه الحفلة ما يسمح له بالهجوم على ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية باعتباره حليف القاتل.
ــ هم يراهنون على أن أنصارهم الذين يتفرقون يوماً بعد يوم، سيجدّدون الثقة بهم، لأنهم لم ينسوا ولم يهدروا دماء الشهداء من رفاقهم، وبالتالي، سوف يحصلون على ما يبرّر سياساتهم القائمة على تعطيل قيام دولة حقيقية.
لكن، أين هم من واقعنا اليوم؟
يتناسى هؤلاء أن اتهام الأسد بقتل الحريري ليس له قيمة، إزاء الاتهامات التي يوجهها الفريق المسؤول عن هؤلاء في المنطقة والعالم ضد الرئيس السوري. ويتناسى هؤلاء أن ما يقوم به فريقهم من أعمال تدمير لسوريا إنما يندرج في إطار العقاب الذي قرره مجتمعهم الدولي لسوريا بسبب مواقفها السياسية.
يتناسى هؤلاء أن حزب الله، منذ اغتيال الحريري حتى اليوم، واجه تحديات أسطورية، من حرب تموز وما تلاها من حصار وشيطنة وعزل وحرب مذهبية ضده، وصولاً الى الحرب القائمة ضده من قبل أنصارهم في مجموعات الإرهاب المنطلقة من سوريا. ويتناسى هؤلاء أن حزب الله لا يزال يقاوم كل أنواع الضغوط التي يتولى هؤلاء دور أداة تافهة في سياقها.
لكن ما هو أهم: ألا يعرف هؤلاء أن جهة مثل حزب الله تمثل اليوم عنصر توازن غير عادي في مواجهات قاسية قائمة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن، وربما أماكن أخرى؟ لم يعد لدينا من أمل، سوى أن يساعدنا أبناء هؤلاء المجانين (وزوجاتهم وأزواجهنّ) على إيقاظهم من نومهم، ولو بدلو من ثلج!