Site icon IMLebanon

محكمة «النجوم» العسكرية: ٢٠ ألف حكم في ٤ سنوات

في زمن الارهاب لا صوت يعلو فوق صوت «المحكمة العسكرية»، رغم السهام التي تُصوّب عليها الى حد المطالبة بإلغائها. القضايا التي تمسّ الأمن القومي للدولة، وهي كثرت في السنوات الأخيرة، تُحال حصراً إليها، حتى باتت قاعتها «تستضيف» ما يزيد على مئة قضية في اليوم!

«الاقبال» على المحكمة العسكرية دفعها الى بدء جلساتها منذ العاشرة صباحاً لتمتدّ أحياناً كثيرة حتى التاسعة ليلاً: أكثر من خمسين جلسة من قضايا الجُنح، تليها الملفات الجنائية بالعشرات. البعض يطلق عليها «محكمة النجوم»، ليس لمثول «نجوم» الارهاب و»قادة المحاور» الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس أمامها فحسب، وإنما أيضاً لتحوّل بعض محاميها الذين يُداومون باستمرار «نجوماً» في التلفزيونات والصحف. رئيسها العميد الطيار خليل ابراهيم لا يملّ من الاستماع إلى عشرات الموقوفين يومياً. يلقبه المحامون بصاحب «الذاكرة الحديدية»، لحفظه ملفات الاستجواب أكثر من بعض وكلاء الموقوفين الذين يحفظ أسماءهم وألقابهم وأدق التفاصيل في ملفاتهم. أمّا بعض قضاة النيابة العامة العسكرية الجالسين الى يمين القوس، فغالباً ما «يضوجون» من كثرة الملفات وطول الساعات التي يقضونها على الكرسي نفسه. فلا يستريحون إلا لنصف ساعة، عند الرابعة تقريباً، في موعد جرى التعارف على أنّه وقت «ديليفري الغداء».

بين ٢٠٠٦ و٢٠١١ عالجت المحكمة ١١٠ ملفات في قضايا إرهاب فقط وأصدرت هيئتها ٩٠ حُكماً. ومنذ اندلاع الأحداث السورية شهد عدد الملفات التي تنظر فيها المحكمة ارتفاعاً صاروخياً. إذ نظرت في ٦٨٢ ملفاً وصل عدد الموقوفين المدعى عليهم في بعضها إلى أكثر من ١٠٠ موقوف (في ملف أحداث عبرا، مثلاً، استمعت هيئة المحكمة إلى إفادات ١١٠ مدعى عليهم دفعة واحدة). وأصدرت خلال هذه الفترة ٣٦١ حُكماً في ملفات إرهاب استثنائية.

في عام ٢٠١٢ تولّى العميد الطيّار خليل ابراهيم رئاسة المحكمة التي لا ينص القانون على أن يكون رئيسها مجازاً في القانون، بل يشترط أن يكون ضابطاً برتبة مقدم وما فوق. علماً أن ابراهيم سبق أن عمل مستشاراً في محكمة التمييز لسبع سنوات. وهو «ورث» نحو ٥٠٠٠ ملف قيد التداول. عام ٢٠١٢، ورد إلى المحكمة ٤٩٣٩ ملفاً وخرج منها ٥٧٠٩ ملفات، أي إنها أنجزت نحو ٨٠٠ ملف إضافي على تلك التي نظرت فيها، كما وردت اليها في الفترة نفسها ٣٠٨ ملفات جنايات وأصدرت هيئتها ٢٩٢ حُكماً، أي ما نسبته ٨٠ في المئة من الوارد. وفي ٢٠١٣، ورد الى المحكمة ٤٩٩٢ ملفاً، أصدرت أحكامها في ٤٧٧٨ منها، من بينها ٣١٤ جناية. وفي ٢٠١٤، نظرت في ٥٤٤٦ قضية وأصدرت ٥١٨٨ حُكماً من بينها ٥٤١ جناية. وفي العام الجاري، نظرت المحكمة حتى تشرين الأول الماضي في ٥٠٧١ ملفاً من بينها ٥٧٦ جناية، وأصدرت أحكامها في ٤٥٠٠ قضية من بينها ٣٩٠ جناية منها. وبالتالي، يُصبح المجموع العام للأحكام الواردة في السنوات الأربع الماضية ٢٠٤٤٢ ملفاً.

وعلى عكس المتداول عن المحكمة العسكرية في معرض مقارنتها بالمحاكم المدنية، فإن الموقوفين أمامها يُمنحون كامل الحق بالدفاع عن أنفسهم أثناء الاستجواب، ولا يُقبل استجواب موقوف من دون حضور وكيله في القضايا الجنائية. وهي باتت، من ناحية السرعة، تتفوّق على المحاكم المدنية التي تطول فيها المحاكمات لسنوات، إذ إن ملفات أحداث التبانة ــــ جبل محسن، مثلاً، ومجموعها نحو ٣٠٠، أُنجزت خلال سنة ونصف سنة.

الغلبة للقضاة المدنيين

ورغم اسمها، تضم المحكمة العسكرية ١٧ قاضياً مدنياً في مقابل ٧ ضباط فقط. أما سلطات الملاحقة فيها فمن صلاحية القضاء المدني، سواء النيابة العامة العسكرية أو قضاة التحقيق. والأمر نفسه ينطبق على محكمة التمييز العسكرية، إذ لا علاقة لها بالعسكرية إلا من حيث المستشارون، لأنّ رئيسها مدني. ولدى بت إخلاء سبيلٍ ما، توجّه أصابع الاتهام الى رئاسة المحكمة بسبب عدم الفصل بين قاضي التحقيق والنيابة العامة ومحكمة التمييز، لتوضع هذه السلطات الثلاث في سلّة واحدة، فيُحمّل رئيس المحكمة وزر كل ما ينتج منها، علماً أن لا علاقة له سوى بالأحكام العسكرية، كما أنّ المشرّع منع رئاسة المحكمة من مراجعة قرارات إخلاءات السبيل التي تبتّها محكمة الجنايات، ليُصبح مفوّض الحكومة لدى المحكمة وصيّاً لجهة مراجعة القرار، فينظر أو يُميِّز. ويؤخذ على «العسكرية» أنّها لا تُعلّل أحكامها، إنما تستعيض عن التعليل بأسئلة تُغطي الحيثيات، فضلاً عن غياب إمكانية الإدعاء في الحق الشخصي أمامها.

السجن شهراً لـ«نقيب» أثار ذعراً في الشياح

أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة حكماً بسجن المدّعى عليه محمد صوفان (١٩ سنة) لمدة شهر، بجرم انتحال صفة نقيب في قوى الأمن الداخلي والوقوف على حاجز أمني وإعطاء الأوامر للسيارات بالدخول إلى الضاحية الجنوبية من دون تفتيش. وقال صوفان للقاضي بأنّه فعل فعلته لتحقيق حلم كان يراوده بالدخول إلى السلك العسكري والتطوّع برتبة ضابط، إلا أن الظروف المادية حالت دون تحقيق هذا الحلم. وذكر أنّه اشترى البزة العسكرية بمبلغ ١٥ ألف ليرة من مؤسسة لبيع الألبسة العسكرية، ثم استعان بجارته لتطريز النجوم مكان الرتبة، قبل أن يقصد الحاجز ليُسيّر السير مع عناصر الحاجز. وذكر أنّه سلّم نفسه إلى القوى الأمنية بعدما شاهد صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً الى أنه يتناول أدوية أعصاب.

قاض شيعي يُحاكم السنّة!

لعبت وسائل إعلامية وجهات سياسية على وتر الهوية الطائفية لرئيس المحكمة للتصويب على المحكمة، عبر الترويج لمقولة أنّ «المحكمة العسكرية سيفٌ مصلت على رقاب أهل السنّة»، و»أنّ كل سُنّي يُضبط بحوزته سلاح يُحال إلى العسكرية بجرم الإرهاب، فيما يُحال الشيعة بجرم تهريب السلاح لا الإرهاب»، لكن أداء المحكمة «المتساهل» إلى حد ما أدى دوراً في مواجهة هذه الاتهامات. فقد أظهرت هيئة المحكمة ليناً وتساهلاً مع بعض صغار السن المتورطين بملفات إرهاب، وأصدرت أحكاماً وصلت إلى ثلاث سنوات كحدٍّ أقصى. والحال نفسها انسحبت على قادة محاور باب التبانة الذين صدرت أحكام مخففة نسبياً بحقهم باعتبارهم أدوات لا محرّضين، لكن هذا التساهل» أثار أحياناً تساؤلات عما إذا كانت المحكمة ترضخ لضغوط معينة، كما هي الحال مع ترك النيابة العامة العسكرية رئيس جمعية «إقرأ» بلال دقماق بسند إقامة رغم ضبط مخزن سلاح في حوزته، وكما في عدم إدعائها على الضابط المتقاعد عميد حمود، أحد أبرز المتورطين في أحداث طرابلس، بعدما استدعته ثلاث مرات، لكنه لم يحضر لـ «تعذر العثور على مكان إقامته».