IMLebanon

بالإذن من سماحة السيد

«أيها الجنوبي، تسعة وسبعين حولا وأنت تجوب البلاد. تنادي العباد ضد صوت الغراب. سقطت الأقنعة عن وجوه الذئاب. قم يا حسين العلم، افتح نوافذنا المغلقة وارفع أوراقك والعلم. قم واحتم بدمي. استظل بكفي ودمع الملايين والزفرة العاشقة».

شهيد يرثي شهيداً.

منذ أكثر من عشرين عاماً، كتب الشاب شكري بلعيد هذه الكلمات بالشهيد الكبير حسين مروة، وفيها أيضا استذكر مهدي عامل وسهيل طويلة وكل شهداء تلك المرحلة.

والمفارقة أنه بعد عقود، سقط شكري بلعيد أيضا برصاص الظلاميين أنفسهم.

ولأن فكر حسين مروة وشكري بلعيد ومئات الشهداء من التقدميين العرب الذين اغتالتهم قوى الظلام، فإن حزب حسين مروة عانى من الفكر الظلامي في كل مناطق لبنان. اختلف لباس الذئب لكن الفريسة المفترضة واحدة..

ولأن حزب حسين وشكري وسهيل والآخرين، ليس ظلامياً فإنه ابتعد عن «الثأر»، فالثأر شيمة القبائل وسكان الظلام. فكلما خرجت مجموعة من «ظلاميتها» باتجاه النور تجاوز الحزب ألمه من دون أن ينساه. ولذلك، فإن تبلور وظيفة المقاومة على حساب الظلامية، كان كافياً بالنسبة لنا للتغاضي عن المسؤوليات المباشرة باتجاه محاسبة مشروع بكامله، لا أشخاص ولا حتى تنظيمات.. وبهذه الرؤية، لم تنغمس باتهام الإرهاب، فالإرهاب لم يكن يوماً مشروعاً مستقلاً، بل هو دائماً أداة لمشروع.

فالفاشية والنازية، اعتمدتها البرجوازية الألمانية والايطالية أداة لإخراج الرأسمال من أزمته على أعتاب الأزمة الكبرى، وما إحياء الفكر اليميني المتطرف اليوم في أوروبا الا أداة لمحاصرة الاستنهاض اليساري الذي تلتف حوله قوى اجتماعية واسعة في وجه الرأسمال.

لذلك اعتبرنا أن «الظلامية» و «الإرهاب» بمثابة تقاطع مشاريع لحصار المشروع الديموقراطي المقاوم الذي حمله الحزب الشيوعي باتجاه إعادة صياغة النظام اللبناني وتجديده وعلى قاعدة صياغة واقع اقليمي جديد يتناقض مع دور الحزب والقوى التقدمية في عملية المقاومة وعملية التغيير الديموقراطي.

&&&

وبعيداً عن الكثير من الإيجابيات التي وردت في خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فإنه يحتوي على بذور شعارات، أقل ما يقال فيها، إنها تعيد عقارب الساعة الى الوراء في التجاذب، بين البنية والوظيفة، في قوى المقاومة الحالية باتجاه تغليب جديد للبنية، بما يحاصر الوظيفة ويعيقها.

فاستعادة شعار «الدفاع عن الإسلام» في مواجهة «قوى الإرهاب» يغطي الاستهداف الرئيسي للمقاومة في المواجهة المقترحة مع المشروع الأميركي ـــ الصهيوني، فهو من حيث الشكل يعطي حجة لمواجهته هو ايضاً تحت شعار «الدفاع عن الإسلام»، ولم يتأخر رد المسؤول الشرعي لحركة «داعش» عندما قال «لو كان الرسول حياً لالتحق بداعش»، بهذا المعنى سيستعيد الإطار المذهبي شرعية في المواجهة الإقليمية الحاصلة.

ومن جهة أخرى، فإن دعوة القوى الإقليمية جميعها، بما فيها العائلات الحاكمة في الخليج والقوى اللبنانية المناهضة للمقاومة، الى التوحد في إطار «استراتيجية مواجهة الإرهاب» بعيداً عن واجب مواجهة العدو الصهيوني كمعيار أساسي، يحمل في طياته تناقضاً أساسياً يتجاهل واقع ان هذه القوى هي جزء مكون من هذا المشروع.

ان مواجهة الإرهاب، لا يمكن أن تكون من خارج مواجهة المشروع الأميركي ــ الصهيوني ــ الرجعي العربي الذي يشكل الإرهاب الصهيوني كما الإرهاب «الأصولي» احدى ادواته مهما استقلت بالشكل.

إن استخدام هذا الشعار على المستوى الإقليمي، هو دعوة لتقاسم النفوذ، بين «الدول الإسلامية» الفاعلة ولو على حساب القضية الأساسية، قضية مواجهة الإمبريالية والعدو الصهيوني. وبهذا المعنى، أين المضمون الحقيقي للتنوع في المنطقة، الذي يستهدفه الإرهاب بوجهيه؟

الشعار الوحيد الممكن هو الدعوة لمواجهة المشروع الأميركي (الإرهاب ضمنه) في إطار عربي تقدمي، يتسع لقوى متنوعة بما فيها القوى الإسلامية المقاومة ولكن لا يلبس شعاراتها…

وللمناسبة، لا ننظر الى الحوارات التي تنحصر لبنانيا بين قوى مذهبية وطائفية متصادمة، سوى بوصفها عاجزة عن انتاج حل يضع البلد على طريق الخروج من أزمته.

ختاما نقول إن حوار المحابر لا يمكن ان يلغي خطورة خطاب المنابر، فالتعبئة المذهبية والطائفية تخلقها المنابر، أما المحابر فيمتصها الورق، ولا تنتج إلا تعمية على حقوق المواطنين وطموحاتهم.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني