Site icon IMLebanon

حكْمُ المحاكم… وجرائمُ الحكم

باسم الشعب اللبناني تصدر الأحكام، والشعب اللبناني بريء ومتَّهم، طليقٌ ومعتقل، في يديه السلاسل، وباسمه تصدر الأحكام وضدَّه.

الشعب اللبناني، قاضٍ ومرتكِب، مطلوبٌ حيّاً أو ميتاً، العدالة معَه فارَّةٌ من وجه العدالة، وهو سيف العدالة في الدولة، وسيف الدولة والمتنبي معاً:

يا أعْدَلَ الناسِ إلّا في محاكمتي فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصْمُ والحكَمُ

لماذا الذهاب الى المحاكم، ما دام الذي يذهب الى المحكمة «يربح هرَّة ويخسر بقرة»؟

ولماذا اللُّجوء الى عدالة أقواس العدل، ما دام الحق يعلو على أعواد المنابر المذهبية ولا يُعلى عليه، وكلٌّ يصلّي على دينه ويحكم بموجب قانونه الخاص، لا بموجب القانون العام، ولا بموجب حكم الشعب بواسطة الشعب، ولا بموجب حكم السماء على الأرض.

الحق القانوني والحق السياسي والأمني والشرعي والتشريعي وكل شرائع حقوق الإنسان جعلوا لها تذاكر هوية: طائفية ومذهبية، الحكم فيها خاضع لصراع المذاهب، وإحقاق الحق خاضع لنفوذ المذهب الأقوى.

إذا كانت المحاكمات تجري على الطريقة الرومانية، خلف الأبواب المغلقة في قصر الأمبراطور، وإذا كانت السلطة عاجزة عن الإلتزام بحكم القانون، فليكن حكم القانون إذاً على يد الخارج على القانون، وليكن اللصُّ رجلَ أمن، وليكن المجرم قاضياً.

الولايات المتحدة مع بداية الإنتقال من قوانين «رُعاة البقر»، لجأت مرة على سبيل الإختبار الى هذا النوع الأمني، عندما جنّدت في سلك الشرطة بعضاً من أكبر المحترفين في العمليات الجرمية بعد خروجهم من السجون. فالسارق يعرف أساليب اللصوصية أكثر من الصالح، والمجرم يفهم في شؤون الإجرام أكثر من البريء، والعاهر يتفوّق في أمور الرذيلة على الطاهر.

ما رأيكم، لو نلجأ نحن الى هذه التجربة في مجال العدل والأمن، ما دام عندنا من المؤهلين لهذه المناصب ما يكفي حاجة لبنان والولايات المتحدة على السواء، وما دامت القوانين عندنا خاضعة لنظام الهنود الحمر، ولا سبيل الى الإنتقال من عهد رعاة البقر إلّا بانتقال أهل السلطة الى رحمة الله تعالى.

لا… ليس الذنب ذنب القضاة ولا ذنب القضاء ورجال الأمن، إنه نتيجة الآثام المتراكمة التي يرتكبها السياسيون الذين حكموا على سقراط بالموت قبل أن يتجرّع السمّ افتداءً للعدالة.

إنه ذنب الهيمنة على السلطات، وعدم فصل السلطات، واستمرار فصل «جراب الكردي» فـي قصة ألف ليلة وليلة، «هاتِ يا خادم الجراب.. لبَّيْكَ يا صاحب الجراب»

هذا السرَطان المستفحل في الجسم السياسي على مدى عهود وعقود، إنْ لم تكن هناك قدرة على معاقبته وقد استعصى على الشفاء، فإنه بحكم كونه سرطاناً كفيلٌ هو بأن يقْتَصَّ من نفسه أمام محكمة التاريخ.