صار يمكن إضافة مصطلح جديد داخل شجرة عائلات الطبقة السياسية اللبنانية، مفاده «بنات العم» المخمليات.
ميريام طوق سكاف بعد ستريدا طوق جعجع، دخلت نادي الزعامة المسيحية من بوابة «أميرات آل طوق البشرانيات» (نسبة لبلدة بشري) اللواتي يدعوهنّ القدر لكي يملأن شغور أزواجهن السياسيين بسبب السجن كما حدث في حالة جعجع، أو الموت كما يحدث راهناً في حالة سكاف.
آل طوق عائلة مارونية من بشري، تقدمهم جيناتهم الاجتماعية على أنهم عائلة سياسية أرستقراطية و»مخملية». والياس طوق رجل الاعمال الذي اغترب في افريقيا والمقترنة ابنته ستريدا بثاني أكبر زعماء الموارنة سمير جعجع، هو للمصادفة شقيق جبران طوق وجيه بشري ونائبها السابق، والمتزوّجة ابنته ميريام من كبير زعيم الكاثوليك إيلي سكاف.
كان لافتاً أنّ معراب عندما توفي إيلي سكاف أرسلت وفداً نيابياً من «القوات اللبنانية» لتعزية ميريام برئاسة ابنة عمها ستريدا. وعلى ما يُقال فإنّ مبادرة التعزية «القواتية»، ضمرت إيصال رسالة من معراب الى «دارة الزراعنة» نسبة الى حيّ الزراعنة حيث قصر إيلي سكاف في زحلة، لاستبدال حالة جفاء سكاف مع جعجع السابقة، بحالة ودّ سياسي مستجدّة تبنى على أساس صلة القربى بين إبنتَي العم البشرانيّتين.
ويُقال، أيضاً، إنّ ميريام تعيش فكرة أن تحاكي تجربة ابنة عمها ستريدا السياسية، نظراً لأنّ وفاة زوجها تضعها أمام امتحان إثبات جدارتها السياسية للحفاظ على إرثه وإبقائه داخل قصر الزراعنة؛ تماماً كما أنّ دخول جعجع السجن لمدة 11 عاماً كان وضع ستريدا أمام هذا الامتحان نفسه.
صحيح أنّ التجربة بالنسبة الى ستريدا كانت قاسية وتخلّلتها مشاهد ترهيبها أمنياً وسياسياً، ولكنها في الوقت نفسه كانت فرصة لها لتتحوّل من مجرد زوجة جعجع الى شريكته السياسية.
… وكما في معراب كذلك أيضاً في «قصر الزراعنة»، يبدو أنّ قدر غياب الأزواج الزعماء السياسيين بفعل السجن أو الموت، يمهّد لنسوة آل طوق الفرص لإثبات جدارتهنّ ليكنّ «زعيمات مخمليات».
والواقع أنّ تجربة ميريام الراهنة، تجد شبهاً أعمق لها مع وقائع تجربة نائلة معوّض التي طاحنت آل فرنجية في زغرتا لإبقاء إرث زوجها المغتال الرئيس الراحل رينيه معوض، وفي الأساس لتؤدّي دوراً سياسياً انتقالياً يفضي الى تسليم راية الزعامة من زوجها رينيه الى نجله ميشال الذي كان لا يزال صغيراً آنذاك.
الأمر نفسه يحدث الآن مع ميريام التي عليها لعب دور سياسي انتقالي يضمن عدم قطع سياق انتقال زعامة إيلي سكاف الى نجله جوزيف عندما يصبح عمره مناسباً (يبلغ عمره حاليا 12 عاماً).
ويبدو أنّ سياق المصادفات ولعبة القدر قاد الى تشكيل مادة اجتماعية جديدة داخل الطبقة السياسية اللبنانية، قوامها امرأتان اثنتان من عائلة طوق نفسها، ومعهما سيدة من آل معوض، وجميعهنّ يشتركن في أنهنّ دخلن نادي الطبقة السياسية من بوابة ملء شغورٍ مفاجئ لأزواجهنّ السياسيين، وايضاً في أنهنّ متحدرات من طبقات اجتماعية أرستقراطية مخملية تنتمي الى بيئة مسيحيّي الأطراف.
وتواجه عملية تجسيد زعامة ميريام لزحلة حالياً فرصاً، وايضاً وتحدّيات. تأتي الفرصة الذهبية اليها من رهانها على استمالة عصبية عائلات المدينة الى جانبها في وجه استفزاز الأحزاب لها. وجدير بالذكر انّ ثلاثة أرباع مصادر قوة إيلي سكاف وصلت اليه من خلال نجاحه في رفع شعاره التاريخي «زحلة مقبرة الأحزاب»، ومن خلال مناداته بأنّ على زحلة أن تُسمع صوتها عبر إسكات صوت الأحزاب.
ومعروف أنّ زحلة من بين كلّ المدن اللبنانية، تُعتبر الاقل تعصّباً حزبياً. وعليه فإنّ أمثولة كيف يتمّ كسب انتخابات زحلة معروفة لميريام، فهي ببساطة تستطيع هزم خصومها الاحزاب في حال أنشأت هذه الاحزاب تحالفاً ضدها، ويصبح وضعها أصعب انتخابياً فيما لو استخدمت الأحزاب تكتيك إخفاء نفسها وخوض الانتخابات على أساس عائلي.
وهناك توقّع بأن تشكّل انتخابات بلدية زحلة، أكبر تحدّ في وجه رغبة «القوات» و«العونيين» إثبات أنّ تحالفهما الحزبي الوليد سيشكل بداية نشوء محدلة حزبية مسيحية انتخابية توازي في قوّتها المحدلة الحزبية الانتخابية المشكلة من ائتلاف حركة «أمل» و«حزب الله».
والواقع أنّ سرّ قوة «الكتلة الشعبية» في زحلة هو من سرّ عاملين اثنين:
ـ الأول، انها ليست حزباً ولا تياراً، بل «ادارة لماكينة انتخابية يتمّ اسقاطها في موسم الانتخابات على حالة شعبية منتمية الى هوية المدينة العائلية الاجتماعية وكعاصمة للكاثوليك». تشبه «الكتلة الشعبية»، ولو على نحو مصغّر، نوعاً من «فايسبوك زحلاوي» يرفع ايام الانتخابات شعار «العائلات تريد إسقاط الاحزاب».
ـ الثاني، يتمثل بانطباعات زحلة عن نفسها كما صاغها إبنها البار سعيد عقل الذي كان ينادي بـ»لبننة» العالم و»زحلنة» لبنان. بمعنى من المعاني تمثل «الكتلة الشعبية» أيام الانتخابات تطبيقات نظرية سعيد عقل، حيث تذهب زحلة لتعلن أنها أكبر من الاحزاب وأنها تهدي مناخها السياسي والاجتماعي للبنان ولا تستورد مناخه.
خلاصة القول إنّ سعيد عقل صاغ بسيكولوجيا زحلة السياسية والاجتماعية وآل سكاف نجحوا في تجسيد روحية تطبيقاتها انتخابياً، وسيكون صعباً على تحالف عون و»القوات» أخذ زحلة الى قفصهما الحزبي، كذلك سيكون متعذراً على كلّ من سمير جعجع وجبران طوق، منفردين أو متّحدين، إنشأء «حزب بشري المارونية» داخل عاصمة الكثلكة، وذلك انطلاقاً من صلة قربى المصاهرة وعصبية دم آل طوق المتداخل مع دم آل سكاف.
وفي نظر مصادر مطلّة على كواليس انتخابات بلدية زحلة فإنّ وقائعها تتفاعل حالياً، داخل معادلتين اثنتين اساسيتين: الأولى تتمثل بسباق محموم وصامت يجري بين تيار «المستقبل» وحزب الله لإستكشاف الخيار السياسي الجديد لميريام سكاف وريثة إيلي سكاف. السؤال المركزي في حزب الله هو هل ستتابع ميريام حلف زوجها معه ومع دمشق، اما تيار «المستقبل» فيجد أنّ غياب سكاف يوفر فرصة لإخراج «الحزب» من قصر الزراعنة.
وتفيد ترجيحات هذه المصادر أنّ ميريام لن تبقى في مربع خيار زوجها السياسي، نظراً لأسباب عدة منها انّ مجموعة مستشاريها القريبين، وبالأخص سيدة بينهم لديها صلة قوية بها، تميل الى بناء علاقة تقارب سياسي بين «الكتلة الشعبية» والرئيس سعد الحريري. أضف الى أنّ جبران طوق والد ميريام يراهن على أنه في حال نجح في هندسة علاقة سياسية بين ابنته وبين الحريري، فإنّ هذا سيفضي الى استعادة نيابته في بشري خلال الانتخابات النيابية المقبلة.
أما المعادلة الثانية فتتصل بلعبة الاحزاب داخل زحلة لإنتاج تسوية مع «الكتلة الشعبية» توحي بأنّ الاخيرة هي جزء من زحلة وليست الرقم الصعب فيها. وتفيد معلومات أنّ «العونيين» و»القواتيين» عرضوا على ميريام نيل خمسة مقاعد في المجلس البلدي من اصل 21، لكنّ الأخيرة رفضت وطالبت بعشرة مقاعد للكتلة الشعبية بالإضافة الى رئيس بلدية محايد.
وبحسب هذه المصادر فإنّ حسابات ميريام في الانتخابات البلدية لها صلة وثيقة بالتأسيس لحيثيتها في الانتخابات النيابية. وعليه فهي ترغب بفوز مستقلّ في بلدية زحلة وتعيد نتائجها إنتاجَ تركيبة البلدية الحالية نفسها التي ينتمي رئيسها وغالبية أعضائها الى «الكتلة الشعبية».
يبقى من المهم اخيراً الإشارة الى أنّ أخطر تكتيك يمارسه خصوم ميريام ضدها، هو إشاعة مناخ أنها مارونية تخوض أكبر معركة كاثوليكية ـ كاثوليكية. وتستهدف هذه الحملة إشعار القاعدة الانتخابية لـ»الكتلة الشعبية» بأنها منقادة من والد ميريام، وأنّ أمرتها الحقيقية انتقلت من عائلة سكاف الكاثوليكية العريقة الى آل طوَّق المارونية الارستقراطية.
«وخطأ ميريام» كما يشير اليه مخلصون لآل سكاف في زحلة أنها تبدي في سلوكها عدم يقظة تجاه هذه الثغرة، بدليل أنها بدلاً من أن ترابط هذه الفترة في قصر زوجها في حيّ الزراعنة في زحلة فإنها تدير معركتها الانتخابية من بيتها في اليرزة شرق بيروت.