لن ينفعَ الحديث عن أيّ مفاجآت في التركيبة الحكومية الجديدة، فهي تنبئ في شكلها ومضمونها بصورةٍ طبق الأصل عمّا ستكون عليه التوازنات في العهد الجديد في ضوء الأحلاف الائتلافية القديمة والجديدة التي بنيَت على «وثائق التفاهم» عشيّة الاستحقاق الرئاسي، ولم تحمل أيَّ جديد يفاجئ أحداً. فعلامَ استنَد أصحاب هذه القراءة؟
في أقلّ من ثلاث ساعات امتدّت من الخامسة والنصف عصراً الى الثامنة والنصف ليلاً من بعد ظهر الأحد ولِدت حكومة الحريري الأولى في عهد العماد ميشال عون بصيغة انجِزت قبل اسبوع تقريباً ولم تحمل سوى اسمٍ واحد جديد جاء بديلاً من الوزير الذي كان يمكن ان يكون ممثّلاً لحزب الكتائب اللبنانية، إضافةً الى إعادة النظر في حقيبة السياحة عندما سحِبت من حصة «القوات اللبنانية» لتشكّل مخرجاً لمطلب اصحاب نظرية «الحصّة المنفوخة» لـ«القوات» والتي فرَضت نفسها على جميع الأطراف، واستبدالها بوزارة دولة لشؤون التخطيط.
فقد كان واضحاً انّ التركيبة الحكومية لم تحمل ايّ مفاجآت، فبمجرّد التفاهم على تجاوز حقيبة الكتائب التي حُدّدت نهائياً بوزارة دولة ولِدت الحكومة وهي بكلّ اسمائها كانت جاهزةً منذ الزيارة الأخيرة للرئيس المكلف تشكيلَها الى بعبدا الأربعاء الماضي، ولم يتغيّر فيها سوى هوية وزير السياحة، بعدما اضافَ حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري الى قصر بعبدا في اللحظات الأخيرة التي سبَقت إصدار مراسيمها الإسمَ الأنثوي الشيعي السادس، كما طلب سابقاً.
فكانت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية الدكتورة عناية عز الدين من حصّته الحركية المباشرة بعد يومين على وعدٍ قطعَه لممثلي الهيئات النسائية التي زارته في عين التينة بتمثيلِها في الحكومة العتيدة.
لا يُخفي طبّاخو الحكومة الجديدة انّ التفاهم بين الأقطاب على التشكيلة لم يكن جديداً ووليدَ ساعات ما بعد ظهر الأحد. ففي التوقيت لغزٌ بقيَ طيّ الكتمان ولم يعلَن عنه صراحة رغم التداولِ به على ارفعِ المستويات. ففي هذا التاريخ انتهَت المهلة التي كان قد اعطاها الحريري للاعتذار عن التأليف، وهو موقف كان سيعلِنه امس الإثنين ما لم تَسقط الملاحظات الأخيرة التي اعاقَت الولادة.
ومهما قيلَ عن اهمّية هذه الملاحظات وحجمِها، سيبقى الخلاف قائماً الى حين، حول ما إذا كان الحريري قد ذهب في اتّجاه إرضاء أصحاب الملاحظات بدلاً من ان يتراجع هو عن ملاحظاته.
فثمّة من يعترف بأنّ الحريري هو من ذهبَ إليهم يأساً، وليس العكس، لقاء تحقيق مطلبٍ يتيم تُرجم بنيله حقَّ تسمية المقعد الأرمني الثاني من دون ان يتخلى عن وزير سنّي ثانٍ. فأُحدِثت حقيبة وزارة الدولة لشؤون المرأة لعضو كتلتِه النيابية جان اوغاسبيان على حساب حقيبة الأقليات المسيحية التي كان رئيس الجمهورية مصِرّاً عليها ولم يتمكّن من توفيرها من حصّة حلفائه الأرمن.
كذلك ظهر جليّاً تراجُع الحريري عن ملاحظاته امام إصرارِ رئيس الجمهورية على هويتَي وزيرَي الدفاع والعدلية مدعوماً بقوّةٍ من «حزب الله».
ولذلك لم تتغيّر حصّة رئيس الجمهورية لا في الشكل ولا في المضمون، لا بل رفعَ حصّته في اللحظة الأخيرة بمعزِل عن حصّة «التيار الوطني الحر». فقد تجاوزها الى ان بلغَت الذروة في الحقائب الخمسة.
وترجمت الحكومة مطلبَ الثنائي الشيعي بوزاراته الستّ من دون ايّ شريك من طائفة أخرى، فكانت حقيبة دولة لشؤون مجلس النواب التي تمّ تجييرها لحليفَيهما الحزب السوري القومي الإجتماعي وليس لأيّ طرف آخر.
وأمام هذه المعطيات، فقد لاحظ المراقبون انّ الحكومة العتيدة اعطَت افضلَ صورة عن تركيبة العهد الجديد، فحصَد اقطابُه الخمسة حصصاً وازنة، فتقاسَم الثنائي الشيعي مقاعد الطائفة كافةً، ونال الحريري حصّة السنة كاملةً، وتقاسَم «التيار الحر» و«القوات اللبنانية» الحقائبَ المسيحية على ان يوزّعاها على حلفائهما من 8 و 14 آذار سابقاً، بمعزل عن حصة رئيس الجمهورية التي وصِفت بـ«الحصّة التاريخية الوازنة» التي لم ينَلها ايّ رئيس جمهورية قبلاً.
وهو ما لم يكن مفاجئاً لأحد، وخصوصاً القيادة الكتائبية التي تبلّغَت بـ«صراحة فجّة» من أعلى المراجع انّ حصّتها هي من حصة مسيحيّي «القوات» فإنْ نالتها منهم كان به، وإلّا فليس لها من حصة عند الرئيس و«التيار البرتقالي».
ولذلك لم يأتِ إبعادُ حزب الكتائب عن الحكومة بأيّ جديد، فقد كان واضحاً أنّ رئيسه لن يطلب حصّته من الطرفين معاً، وإن تحمّل الحريري وزرَ المفاوضات مع رئيس الحزب لإقناعه بحقيبة الدولة فإنّه لم يقُم بهذه المهمة باسمِه الشخصي بمقدار ما كان للتخفيف من نسبة الإحراج لدى الثنائي المسيحي الجديد.
سيطول الجَدل حول هوية هذه الحكومة وعمّا إذا كانت «حكومة العهد الأولى» وهي كذلك في شكلها ومضمونها وما جاءت به من حصص لم تَجمعها ايّ حكومة قبلاً. كذلك بالنسبة الى الأحجام التي كرّسَتها في الأسابيع الأولى من العهد والتي لن يتغيّر فيها شيء ما لم تأتِ الانتخابات النيابية المقبلة – إنْ جرَت في موعدها – بأيّ تركيبة نيابية جديدة.