جاء تشكيل الحكومة في 47 يوما بشير تفاؤل بأن الدنيا في لبنان تغيّرت. صحيح ان هذا التغيير يبدو بطيئا، والبعض يرفض ان يراه ويتحسسه في المطلق. الاّ انه واقع قائم تتوافر الدلائل والمؤشرات الى انه سيمضي في تواصل الى ما بعد الانتخابات النيابية العامة المقبلة. وعندئذ سيتخذ مناحي ستكون كبيرة وفاعلة بالضرورة، ولن ينكرها الا من سيتعامى عنها.
الرئيس ميشال عون ليس رئيسا تقليديا في شيء. صحيح انه ليس الاوّل الآتي الى سدة الرئاسة من الخلفية العسكرية، ولكنه يحمل معه الاختلاف الجذري عن الكثيرين، عسكريين ومدنيين، الذين سبقوه:
اولا- انه الرئيس الذي انبثقت رئاسته من نضال طويل، معلن، واضح، وحاد جدا بحيث انك لا يمكن ان تكون فاترا تجاهه: فإمّا انت معه او ضدّه ولا حالا ثالثة في منزلة بين المنزلتين.
ثانيا – انه وصل الى الرئاسة بأصوات النواب، من دون ادنى شك ولكن من قاعدة شعبية ضخمة لم يسبقه اليها احد، والارجح لن تكون في متناول احد بعده. فهو الذي له محازبون ومؤيدون في لبنان كلّه، من الناقورة الى النهر الكبير، ومن فقش الموج الى مرمى الثلج. ويكاد يكون متعذرا ان توجد مدينة او بلدة او قرية او جماعة في لبنان ليس للرئيس عون مؤيدون او محبّون او محازبون فيها. فكان من المتعذّر تجاهل هذه الحيثية الشعبية الكبرى.
ثالثا – لقد سبقته الى القصر الجمهوري مواقفه ومشاريعه وشعاراته ايضا. وبقدر ما تشكل هذه الحال وضعا ايجابيا لمصلحته بقدر ما يمكن ان تتحول الى زنزانة (معنوية بالطبع) يأسر ذاته فيها… حتىّ اذا غابت عن النهج والممارسة تحوّلت الى عدوّه الاوّل.
رابعا – ليس مصادفة هذا التهافت الدولي على تقديم الدعم والتأييد له. من شرق المعمورة الى مغاربها… من العرب الى العجم، ومن القاهرة الى الرياض، ومن واشنطن الى باريس، ومن لندن الى موسكو ومن جامعة الدول العربية الى الاتحاد الاوروبي (…) وتلك كلّها عناصر دفع للعهد، قلّما حظي بأقل منها بكثير اي رئيس لبناني سابق، حتى في مرحلة ما قبل الاحداث (1975 وما تلاها) … صحيح انّ احداً ليس ينطلق في هذا الدعم للعهد العوني اكراما لسواد عيون الجنرال كما نقول في مثلنا السائر، فثمة مصالح دول، وتوازنات اقاليم، ومخططات امم (…) ولكنها في النتيجة تلتقي عند دعم الرجل.
خامسا – لقد اثبت العماد ميشال عون، منذ دعم ترشحه من القوات اللبنانية فالرئيس سعد الحريري وقبلهما سماحة السيّد حسن نصر الله، انه رجل دولة بامتياز وانه قادرٌ على الضبط والانضباط وكتم المشاعر وعدم الذهاب الى ردود الفعل الكثيرة خصوصا وان بعض المرشحين كان يتصرف بشكل معاكس تماما… والمقارنة فرضت ذاتها في الاوساط السياسية والديبلوماسية وحتى الشعبية… وزودّت غير سفارة حكوماتها بنتيجة هذه المقارنة.
سادسا – يجمع عارفو الرئيس عون ومتابعوه وعاقدو المحادثات معه انه رجل الثقافة الشاملة العريضة… وتلك صفة مهمة يتمتع بها.
ممّا تقدّم سيكون الرئيس ميشال عون ليس فقط محكوما بالاختلاف عن الاخرين انما ايضا سيكون محكوما بأن يترجم هذا الاختلاف تنفيذا لمسار تغييري اصلاحي … والاّ!