Site icon IMLebanon

السباق مع كوفيد المتحوّر… من يربح ومن يخسر؟

 

20 كانون هو يوم الذروة واللقاح آتٍ على مهل

 

الفيروس اللئيم “تحوّل” فراح يضرب عن “بو جنب” بعدما عبرت سلالته الجديدة الى قلب لبنان الفاتح ذراعيه أمام كل أنواع الفيروسات وأشكال الموت. ولكن، هل هذا يُعفي من تراخوا في أخذ الإجراءات الإحتياطية من عواقب ما نراه وما قد نراه بعد؟ وماذا ينتظرنا في الأيام المقبلة من ارتدادات بعد تقتل بلا “رفة عين”؟ ولماذا يُحكى أن الأيام المقبلة ستكون الأكثر خطراً؟

 

ذروة كوفيد-19 تحدث اليوم. والسيناريو الأسوأ أن تصل حالات كوفيد-19 اليومية الى أكثر من مليون إصابة. هذا ما يُحكى عالمياً. فبماذا يُعلّق أطباء وباحثون لبنانيون إلتقوا، بكماماتهم، في إحدى الصالات وراحوا يحللون في الحاضر وفي الآتي؟

 

كثر الكلام في اليومين الماضيين عما تعبث به سلالة كورونا الجديدة في أجسام اللبنانيين، ومسؤوليتها في المشهدية الجديدة، مرتكزاً على كلام الإختصاصي في العلوم البيولوجية البروفسور فادي عبد الساتر الذي اكتشف مع أقرانه في مركز البحوث في الجامعة اللبنانية ظهور هذه السلالة في كثير من فحوصات PCR التي أجريت في مستشفيي الرسول الأعظم وبهنم. الفيروس اللئيم يُحدث في استمرار، كما كل فيروسات RNA طفرات جديدة، بمعدل طفرتين في الشهر الواحد، وتمرّ مرور الكرام، غير أنه نجح، في سلالته الجديدة، في إحداث تعديل لصالحه فراح ينشر عدواه أكثر بنسبة لامست سرعتها السبعين في المئة.

 

هو أصبح إذاً سريعاً جداً، أسرع من قدرة دول كثيرة على معالجة من “يضربهم” ويصيبهم إصابات مباشرة. لكن كيف للبنان أن يميز بين الإصابات العادية والإصابات من السلالة الجديدة؟ البروفسور عبد الساتر لاحظ، من خلال الفحوصات المخبرية، في كل من مستشفيي الرسول الأعظم وبهنم، إختفاء إحدى الجينات الثلاث التي كانت تظهر في فحوصات PCR ما يعني أن السلالة أصبحت تدور في لبنان وتضرب. الدراسة تتتابع. فكيف تحدث الطفرة؟ الفيروس ذكي ينشط في جسم المصاب حين تنخفض مناعته كثيراً ويتحور الى طفرة من نوع جديد مختلفة قليلاً أو كثيراً عما هو عليه. هذا ما حدث في لندن وانتقل إلينا بسهولة. هو ينتقل الى الأماكن الأسهل ونحن، لسوء حظنا، دائماً الأسهل. فلا تستهتروا بالآتي. إحموا انفسكم فالآتي قد يكون أفضل، إذا حوّر الفيروس نفسه لمصلحتنا، وقد يكون أسوأ إذا “تحوّر” بعد لمصلحته.

 

نحن، مصائرنا، في رقبة فيروس غريب عجيب. كلام ومعادلات علمية وتحليلات وتكهنات. لكن، الى أين نحن سائرون؟ ما هو السيناريو المقبل الذي علينا ترقبه؟

 

أحد الحلول المتاحة هو اللقاح. فالعالم، ونحن منه، عليه أن يُسرع بضخّ اللقاح في عروق البشر. والى أن يحين ذلك، نحن، في لبنان وفي جنبات كثيرة في العالم في مرحلة جد حرجة. نحن في خضم موجة ثالثة من وباء كوفيد-19 والفيروس سيستمر بالإنتشار في هذا الفصل، في الشتاء، والقيود يفترض أن تشتدّ. والسؤال، هل يمكن لوصول اللقاحات أن يغيّر المسار؟ الثابت بالنسبة الى المعنيين أن حملة اللقاح لن تكون مرئية قبل صيف 2021. لذا الرهان سيبقى على الإختبار والتعقب والعزل والتعلم حول كيفية مواجهة هذا الوباء. سيستمر إذاً العالم مع استفحال الوباء في التعلّم. فماذا عن بلاد لا ولن تتعلم من أخطائها؟ فماذا عن استعداد لبنان مثلاً لإنشاء المستشفيات الميدانية لأن الكثيرين قد ينجون إذا وجدوا “أوكسيجين” يمدهم بهواء إصطناعي حين يشتدّ عليهم أذى الوباء وتعصى رئاتهم عن تنشق الهواء؟ الإختصاصي في الوبائيات الدكتور سليم أديب يتحدث عن ضرورة ان يعمل لبنان بأقصى طاقاته على تأمين علاج من يحتاج الى علاج من خلال فتح المستشفيات الميدانية، وهذا ممكن من خلال المساعدات الخارجية، والعالم قد لا يتركنا إذا شعر بجدّية في التعامل.

 

المستشفيات الميدانية… نبت على لسان الناس الشعر وهم يسألون عنها. وها قد دخل وزير الصحة حمد حسن الى المستشفى وأصبح الكلام عنها، اقله في الأيام العشرة الماضية، مجرد سؤال وكلام. فالدولة مسؤولة عن كل ضحية كورونا وعن كل إنسان يلفظه العمر ويستقبله الموت بسبب عدم وجود سرير. فأين المستشفى الميداني القطري؟ اين؟ نعم، الدولة اللبنانية مسؤولة.

 

أخيراً، وقعوا على القانون الذي يسمح باستيراد اللقاح واستخدامه. لكن، ماذا عن توزيعه؟ الدولة، نفس الدولة التي تلكأت عن توفير المستشفيات الميدانية، قالت انها ستوزعه وفق الأولوية المطلوبة ولكن، كما سأل سليم أديب: ماذا لو استخدمت نفس الخفة التي رأيناها في مطار بيروت، بلا أي إحترافية، في التوزيع؟ فالقرارات قد تبدو رائعة لكن التنفيذ الجدي مفقود.

 

 

لبنان غير سوريا وغير الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وطبعاً الصين. وبالتالي، بحسب الخبراء، يجب أن تنظر كل دولة الى حالِها، الى ناسها، لأن الفيروس يختلف مع مرور الوقت ونتائج ما نراه، أو ما قد نراه، يتأثر وبشدة بردود فعل حكومات الدول التي عليها أن تفكر “خارج الصحن” من أجل إعداد سيناريوات أساسية واضحة لبلادها، تحاكي أفضل الحالات كما الأسوأ لتدارك تبعاتها. هذا الكلام يجعلنا نقلق أكثر لأننا نعرف، ولمسنا لمس اليد ونستشعر، أن دولتنا ستأخذنا حتماً، في حالتِها، الى السيناريو الأسوأ. صحيح هي اتخذت اليوم قرار الإغلاق الكامل، ولو متأخراً، لكن الإنتشار السريع يحتاج الى رؤية بعيدة المدى. فهل لدى دولتنا والحكومة واللجان رؤية؟

 

نتكل على اللقاح في نجاتنا. هناك من يخوفنا منه لكن، جميع الأطباء، جزموا أنهم سيأخذونه. والدكتور أديب قال: سآخذ اي لقاح يصل أولاً الى بيروت بأسعارٍ معقولة وشروط صحية.

 

“عرياناً فكسوتموني، مريضاً فزرتموني، محبوساً فأتيتم إلي”. فكم تُطبق دولتنا هذه الآية ( من إنجيل متى) في ممارساتها؟

 

نعود الى الفيروس المحوّر الذي وصل الى ديارنا ولم يسترح. البروفسور فادي عبد الساتر يتابع مع أقرانه الدراسات الواقعية على سلالة الفيروس الجديدة. هي هنا. والإصابات الكثيرة التي أدت الى زيادة اشغال الأسرة 35 في المئة وأسرة العناية الفائقة 27 في المئة في أيام قليلة خير دليل. وفي التفاصيل، أن المتغير الجديد على الفيروس يحمل 14 طفرة بينها سبع على بروتين “سبايك” الذي يتيح دخول الفيروس الى الخلايا البشرية. ولعلّ الأرقام التي أصدرتها بريطانيا تشير الى مدى انتشار هذه السلالة: اكتشفت هذه السلالة في بريطانيا أول مرة في أيلول الماضي، وفي تشرين الأول حملته ربع الحالات هناك، وفي كانون الأول الماضي ظهر في فحوصات أكثر من ثلثي المصابين.

 

ماذا عن السيناريو الأسوأ الذي دخلنا في متاهته ويُحذروننا مع مطلع كل شمس منه؟

 

يتوقع العلم أن يصل العالم الى ذروة السيناريو الأسوأ في العشرين من هذا الشهر، اي في نفس اليوم الذي سيُقام فيه حفل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في واشنطن. وقد يصل عدد الإصابات اليومية مع حلول هذه الذروة الى أكثر من مليون إصابة. لذا لا بُدّ من إرساء التباعد الإجتماعي الحقيقي واعتماد خيار الإغلاق وتذكر العالم، كل العالم، أن كورونا ليس أبداً مزحة. والحل؟ الإسراع في توزيع اللقاحات لأن تلقيح 70 في المئة من السكان سيؤدي الى مناعة جماعية، العالم احوج اليوم إليها وبسرعة شديدة قبل أن يُطوّر الفيروس نفسه، في شكلٍ ما، ويُصبح عصياً على اللقاح. وذلك لن يتحقق كلياً ويُصبح العالم محصناً قبل حلول العام 2023. وحينها قد تعود الحياة الى ما كانت عليه قبل تفشي الوباء. وسيُصبح في العالم “جواز سفر التطعيم ضد كوفيد” ملزماً.

 

الى حين يتحقق ذلك، ما حالنا؟ وكيف ستكون حالنا؟ وهل سيبقى لبناني غير مهاجر يقول: أنا حيّ أرزق؟

 

المستشفيات امتلأت بالكامل والناس قلقون للغاية على من يحبون وعلى أنفسهم، فإذا كان وزير الصحة قد وجد سريراً فهم قد لا يجدونه أبداً. صعبٌ كثيراً على اللبنانيين أن يفكروا “بوزيتيف” اليوم وهم من شربوا العلقم من زمان وزمان. فاللبنانيون، في أحلك اللحظات، في ذروة انتشار الفيروس، والأفق أمامهم مقفل، فلا حكومة ولا دولة تفكر وتنظر إلى أبعد من حدود الأنف. والأمل الوحيد هو بوصول اللقاح وتوزيعه بلا حسابات ومحسوبيات. المعنيون يجزمون بهذا لكن الناس لا يصدقون. والناس، أكثر من هذا، يخشون من قرارات عشوائية، كما غالباً، ترميهم في بيت النار فيحترقون بالكامل. فهل لدى الدولة أفكار عن السيناريو التالي؟ فبوصول اللقاح الذي بالكاد يكفي 10 في المئة لن يُحلّ الموضوع. المسألة بحاجة الى أشهر كثيرة بعد، وبيل غيتس يحذر من أربعة أشهر مقبلة خطيرة، وتكرار مقولة الدولة أن العين بصيرة واليد قصيرة لا يعفيها من أن تُقرّر ولو لمرة واحدة ما يُنقذ هذا الشعب من فيروس أذكى منها ومن سواها بكثير.