Site icon IMLebanon

رهين المِحبَسَين  

 

هل تعود الحياة إلى نمطها السابق، أي إلى ما قبل فيروس كوفيد-19 وسلالاته؟

 

السؤال بات مطروحاً على نطاقٍ واسعٍ ليس في لبنان وحسب، إنما في العالم قاطبةً، إلا أنه يتّخذ هنا بعداً مختلفاً في ضوء الخصوصية اللبنانية ذات الطابع المُجتمعي.

 

بالتالي، هل سيعتاد اللبنانيون على ملازمة البيت؟ أصلاً هم لم يُلازموه جدّياً، بدليل الخروقات الكبيرة التي سُجلت وتُسجّل يومياً، ومن نتائجها «إنفلاش» الإصابات، بعد ما حدث ليلة رأس السنة من عدم التقيّد بالإجراءات الوقائية على نطاقٍ واسع.

 

مشهودٌ للبنانيين بالروابط العائلية، إلا أن هذه الصلات انقطعت تحت الخشية من العدوى، فبات التباعد وندرة التلاقي سِمة عصر كورونا. فهل ستعود هذه الروابط إلى سابق عهدها؟

 

واستطراداً، هل سيؤثر التعامل مع كورونا، بعد انقضائها، على ميّزة لبنانية جميلة وهي «القيام بالواجب» في الأفراح والأتراح؟ إذ بسبب هذه الجائحة اللعينة اقتُصِرت الواجبات على الاتصال بالواتساب وفي أحسن الحالات بالهاتف العادي. وهذا في حدّ ذاته حرم الناس وداع أحبائهم، وأحياناً الأقرباء، الوداع الأخير، فيُدفن الفقيد في الحدّ الأدنى من المراسم، وفي غيابٍ شبه تام للمشاركين. أما في الأفراح، وخصوصاً الأعراس، فغاب المشاركون وانطوت لائحة الهدايا (liste de mariage) وخفّ التحرّج عن كثيرين.

 

ثم «القعدة» في البيت، ترتّب عليها تضاؤل الزيارات المتبادلة وغابت «الصبحية» بين الجيران، وتحديداً بين الجارات، وارتفعت نسبة الحذر… حتى إذا «كحّ» أحدهم أو سعلت إحداهن في لقاءٍ ما، دبّ الذعر، وسارع القوم يستجيرون برذاذ «السبيرتو» وسائر المعقّمات. فكم يلزم من الأمر للخروج من هذه الحال التي هي، اليوم، مُعتمدةٌ حتى الهَوَس المَرَضي!؟

 

ومن ثمّ، مع التزام البيت، بات الإنسان «رهين المِحبسَين»: حبس الحَجْر وحبس القلق. وحتى لو انتهى ضغط كورونا، فهل سيبقى الناس طويلاً رهائن حبسٍ واحدٍ على الأقل، وهو القلق الذي يتفاقم ليتحوّل إلى وضعٍ نفسي يستوجب الاستشارة الطبيّة المتكررة، وبالذات من اختصاصيي الطب النفسي؟

 

ولقد يبدو هذا الموضوع للبعض ثانوياً أمام أزماتنا الكُبرى، سواء ما كان منها صحيّاً أم مُزمناً كسوء حالنا الاقتصادية-المالية… إلا أنه يستأثر بالاهتمام الأول في العالم، وتتناوله أمّهات وسائط الإعلام. خصوصاً أن أحداً لا يستطيع الجزم بموعدٍ، ولو تقريبي، لانتهاء الفيروس ومضاعفاته.

 

ومع ذلك، لربما كان الرهان في شأن الفيروس أقلّ غموضاً من الرهان على موعد تأليف الحكومة.