IMLebanon

مكافحة الإرهاب في زمن “كوفيد- 19”

 

 

يترافق فيروس “كوفيد-19” مع تداعيات واسعة النطاق قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل وإضعاف التماسك الاجتماعي وتأجيج الصراعات، ما ينتج ظروفاً مناسبة لانتشار الإرهاب والتطرف العنيف. يستغل الإرهابيون الاضطرابات والشكوك والمصاعب الاقتصادية التي سبّبها “كوفيد-19” لنشر الخوف والكره والانقسامات وتجنيد أتباع جدد وزيادة تطرفهم. فيما تُركّز الحكومات حول العالم على محاربة الفيروس. استغل تنظيما “داعش” و”القاعدة” الظروف المستجدة لإعادة فرض وجودهما ميدانياً وعبر شبكة الإنترنت، وقد دعا الطرفان أتباعهما وفروعهما إلى تكثيف الاعتداءات. كذلك، سلّطت جائحة كورونا الضوء على نقاط الضعف في التعامل مع الخطابات المتطرفة والعنيفة الجديدة، وكشفت عن نشوء أشكال مختلفة من الإرهاب، بما في ذلك هجمات إلكترونية ضد مؤسسات الرعاية الصحية.

 

تتطلب منا التهديدات العالمية القاتلة، على غرار الإرهاب و”كوفيد-19″، أن نتكاتف ونُجدّد وحدتنا وحس التضامن بيننا. فيما تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لنشوئها هذه السنة، أصبحت التعددية أساسية اليوم بقدر ما كانت عليه في نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

لأداء واجبنا في هذا المجال، أقامت الأمم المتحدة للتو “أسبوع مكافحة الإرهاب الافتراضي” الذي يشمل عشرة نقاشات تفاعلية لتقييم التحديات الاستراتيجية والعملية لمكافحة الإرهاب وسط بيئة وبائية عالمية. جمع هذا الحدث بين الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، وممثلين من القطاع الخاص، ومجموعات شبابية، ومنظمات إقليمية من جميع أنحاء العالم لتقاسم تحليلاتهم المبنية على خبرات واسعة، وتبادل الأفكار المبتكرة، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.

 

ما كانت الاستنتاجات الأساسية من ذلك الأسبوع إذاً؟ سمعنا تحليلات عن استمرار التهديدات الإرهابية المتنوعة على الأرجح، واحتمال أن تشمل الاعتداءات تعطيل البنى التحتية المحورية بالوسائل الإلكترونية، واستعمال عوامل بيولوجية، وتحويل الأمراض المميتة إلى أسلحة بحد ذاتها، ونشر خطاب الكراهية. ساد إجماع واسع مفاده أن الضغوط والمصاعب الهائلة التي سبّبها فيروس “كوفيد-19” ستختبر قوة تحمّل مجتمعاتنا ومدى تماسكها خلال السنوات القليلة المقبلة. شدّد هذا الوضع على أهمية اتخاذ تدابير وقائية وإشراك جميع شرائح المجتمع، لا سيما النساء والشباب، في تطوير سياسات وبرامج مكافحة الإرهاب وتنفيذها. كذلك، أكدت هذه المعطيات دعوة الأمين العام إلى وقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم لمحاربة الفيروس وتخفيف المعاناة البشرية وكسر دوامة العنف التي تُسهّل انتشار الإرهاب. أجمع المتحدثون أيضاً على أهمية أن تضمن الاستجابات الرامية إلى مكافحة الإرهاب حماية كاملة لحقوق الإنسان وحكم القانون وترسيخ مظاهرهما اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن احتمال إساءة استعمالهما يرتفع في ظل انتشار “كوفيد-19”. تشكّل حرية التعبير والحق في الخصوصية خير مثال على ذلك. يطرح الوضع المزري في المخيمات وأماكن الاعتقال التي تشمل مقاتلين إرهابيين أجانب مشتبهاً بهم وآلاف النساء والأولاد المرتبطين بهم في سوريا والعراق، وهو موضوع آخر كان محط نقاش خلال “أسبوع مكافحة الإرهاب الافتراضي”، تحدياً كبيراً حتى الآن. من مسؤوليتنا جميعاً أن نعيد أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأشخاص إلى ديارهم بشكلٍ عاجل لمنحهم، حسب الاقتضاء، محاكمات عادلة وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع. يجب أن تُعطى الأولوية للأولاد، فيتم ترحيلهم إلى بلدانهم من دون تأخير.

 

تكيّف الإرهابيون مع العالم الجديد الذي خلّفه فيروس “كوفيد-19” وعلينا أن نتكيف معه بدورنا. سارعت الأمم المتحدة إلى تغيير طريقة عملها لتعزيز دعمها لجهود البلدان والمجتمعات المحلية وكبح الإرهاب ومكافحته حول العالم. بدأنا نُكثّف استعمال أدوات التعلّم الإلكتروني لتغيير برامجنا التدريبية عبر الإنترنت ونستخدم منصات التواصل المعاصرة للتفاعل مع جماهير جديدة، لا سيما فئة الشباب. خلال الأسبوع الماضي، أطلقنا “معرضاً افتراضياً” يشمل خرائط تفاعلية وقصصاً مثيرة للاهتمام وفيديوات غنية بالمعلومات لعرض جهود بناء القدرات المؤثرة في “مركز مكافحة الإرهاب” داخل مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ما يؤكد سمعته كمركز للتميّز العالمي. ما كان هذا العمل ليصبح ممكناً من دون المساهمات المالية السخية لمجموعة واسعة من الدول المانحة.

 

مع احتفالنا في 26 حزيران بالذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد ميثاق الأمم المتحدة، أكّد الأمين العام أنطونيو غوتيريش أن جائحة “كوفيد-19″، وهي أزمة إنسانية غير مسبوقة في عصرنا، “كشفت عن مكامن ضعف العالم”. نحن نطالب باستجابة غير مسبوقة لمنع الإرهابيين من الاستفادة من ذلك الضعف. يجب أن نتعاون كي لا يصبح “كوفيد-19” مُحفّزاً على تنامي الإرهاب العالمي والتطرف العنيف الذي يستغل مظاهر اللامساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القائمة منذ وقتٍ طويل ومشاعر الاستياء التي كشفها الفيروس. من واجبنا أن نراجع الجهود التي نبذلها لمكافحة الإرهاب ونعدّلها ونقويها كي نسبق كل من يحاول إيذاءنا. ويجب أن نعطي الأولوية لدعم ضحايا الإرهاب ومنع أبرياء آخرين من مواجهة المصير نفسه.أثبتت النقاشات الافتراضية خلال الأسبوع الماضي أهمية العمل الجماعي اليوم، في ظل الجائحة العالمية، أكثر من أي وقت مضى، وضرورة تحقيق هدف مشترك لبناء مجتمعات قوية وإنقاذ العالم من الإرهاب.