IMLebanon

لبنان في دهليز كوفيد 19… الداخل مفقود والخارج مولود!

 

هل تقفل قريباً كل الطرق إلى المستشفيات؟

“دولتنا”، لا تقلبي الصفحة ولا شفاهك ولا “الأذن الطرشاء” ولا تعدينا بلقاحٍ “واصل”، نحن حقل تجارب فيه، بل خذي إجراءً سريعاً، ولو لمرة واحدة، واحدة فقط، بالإقفال العام بعدما أصبحنا في دهليز كورونا، الداخل إليه مفقود والخارج مولود. نحن في خطرٍ عظيم. وهل من خطر أعظم من أن نرى أباً أو أمّاً أو أخاً أو أختاً أو إبناً أو إبنة يختنقون أمامنا ولا سرير لهم في المستشفى؟ التوقيع: خبراء الصحة في لبنان.

كثيرون سينتفضون على قرار الإقفال إذا اتُّخذ مردّدين “بدنا ناكل”. وهؤلاء يملكون كل الحق لكن، لو خيروا بين “لقمة زيتون” واختناق عزيز لاختاروا، أن يناموا “بلا عشاء” وألا يعيشوا لحظة مثل تلك اللحظات التي عاشها لبنانيون، أغلقت كل الأبواب الإستشفائية في وجوههم ووجوه من يحبون ورحلوا اختناقاً.

 

الكلام سهل. هناك من سيقول هذا. ولكن، لأول مرة يُعلن خبراء في علم الأوبئة وعارفون في “البير وغطاه” أننا دخلنا في الدهليز وبقعة الضوء تتلاشى. جوزف حلو، مدير العناية الطبية في وزارة الصحة العامة، أوضح الكثير حين قال: “أبقى ساعات وساعات أبحث عن سرير، في مستشفى ما في كل لبنان، لإنسانٍ يختنق، وأنا أسمع أهله وعائلته يصرخون “دبرونا”! صحيح أن كل العالم يعاني لكن، ما يحدث عندنا أنه بعد مرور ثمانية أشهر على أول موجة فيروسية، ما زلنا نتكلم عن وجوب الإستعداد لموجة ثانية. وها نحن قد فقدنا كلياً ترف الوقت. والعمل؟ ماذا عن اللقاح المنتظر؟ هل صحيح أنه في طريقه إلينا؟ وهل يمكننا، بعد أن وصلنا الى ما وصلنا إليه، أن نلجم قوة انتشار كوفيد 19 ونطمح الى “صفر كوفيد”؟

 

الإختصاصية في علم الوبائيات الدكتورة باسكال سلامة كانت في لجنة كورونا وخرجت منها بعدما أيقنت أن الوضع “مش ماشي”، وتقول: “وضعنا صعب جداً جداً لا بل خطير جداً، فالمستشفيات الحكومية امتلأت والخاصة تمتنع، في حالات كثيرة، عن استقبال المصابين والأرقام ستزيد، مع بداية الشتاء أكثر، لأن مريض كوفيد 19يدخل الى المستشفى ويمكث وقتاً ويستهلك طاقة وجهداً ومعدات. والإستعدادات المواكبة لا توازي أبداً سرعة تفشي الفيروس. والطريقة الوحيدة لمواجهته هي في الإقفال العام. هذا ليس سهلاً على كثيرين لكنه أكثر من ضروري. انه حاجة للصمود والبقاء”.

 

الخبيرة في علم الوبائيات واضحة في ما تقول. نحن في قلب الخطر. والحلّ الوحيد الإقفال العام، لا إقفال حيّ وفتح آخر، وفتح نص مدرسة ونص مؤسسات ونص قضاء… هذا الوباء لا يقبل أنصاف الأمور بل يحتاج الى وعي كامل والى من يتعامل معه بوعي لا باستهتار.

 

إستقالت أستاذة علم الوبائيات من لجنة كورونا بعدما أيقنت أن لا نية لدى المسؤولين في إنهاء مشكلة التواصل بين بعضهم البعض، وعدم الخروج بموقف واحد ما خلق، في أكثر من مطرح، بلبلة. لا “ميساج” (رسالة) واضحة، واحدة، من الدولة لكل الناس. وأكثر من كل هذا، هناك أمور لا نعرفها. ثمة أمور تحدث نجهلها، تعلق سلامة.

 

بين ما يعرفون، وما يفترض أن يعرفوه، هناك فارق كبير يحدّ من حسن التعامل مع هذا الفيروس. وفي هذا الإطار تقول سلامة: “تفتقر لجنة كورونا الى بعض أنواع الإختصاصات الضرورية القادرة على التخطيط الصحي والخروج بخطة واضحة واستراتيجية لا بُدّ منها لعبور “قطوع” كوفيد”، وتستطرد: “إنهم يخرجون بأفكار لا تصح واقعياً. فلنأخذ مثالاً إقفال بعض المناطق المصنفة حمراء مع العلم أنها خالية من كورونا، والسبب أن بعض المصابين يقدمون حين يُسألون عن كامل هويتهم أرقام سجلاتهم على هوية القيد، لذا يأتي قرار إقفال القرى التي ينتمون إليها لا التي يعيشون فيها. الطريقة التي يطبقون فيها قراراتهم غير واضحة وليست مثالية لذا تأتي النتائج سلبية”.

 

من يُصغي الى الدكتورة وهي تتكلم يُدرك بسهولة حجم قلقها من الآتي القريب وهي التي اقترحت العمل من أجل تطبيق استراتيجية “كوفيد صفر”. لكن، ماذا عن قولها أن أموراً تُتخذ وتُقرر في قلب لجنة كورونا لا يعرفها حتى من ينشطون (أو كانوا ينشطون) فيها؟ تجيب: “طلبنا مراراً أن يُكشف لنا ما هو أبعد من الأرقام التي تصدر يومياً، بمعنى أن نعرف “بروفايل” المصابين لنكتشف سلسلة أمور قد تساعدنا في تدارك تسارع انتشار الفيروس، كأن نعرف من دخلوا العناية الفائقة، ومن استلزمت حالاتهم الدخول الى المستشفى، وما هي الأسباب التي أدت الى وفيات شباب وشابات ورياضيين… هذه الأمور لا تظهر بالطبع في الأرقام التي تطرحها وزارة الصحة يومياً. “جربنا” الوصول الى هؤلاء لاكتشاف كيفية تفشي الفيروس في شكل أفضل، ما يساعدنا على مواجهته، لكنهم “أقفلوا علينا” و”أقفلوا عليهم”. لم نكن نريد ذكر الأسماء ولا نشر الداتا لكننا نريد أن نفهم الفيروس من وراء جمع هذه المعلومات لكننا منعنا من جمعها. فهناك جهات ترفض إخراج المعلومات وهناك جهات تريد إخراج المعلومات. وبين القبول والرفض بقيت تفاصيل كثيرة مجهولة أمامنا”.

 

ما الحلّ؟ ماذا ينتظرنا؟ تجيب: “كلما تقدم بنا الوقت أكثر أصبحت ضرورة الإقفال العام حتمية، وكلما أرجأوا اتخاذ هذا القرار ستشتدّ المشكلة. هناك الآن ناس يختنقون ويموتون قبل إيجاد سرير في مستشفى. وهناك أطباء ما عادوا يردون على هواتفهم لأنهم يدركون عدم قدرتهم على تقديم الإسعافات. وشباب وشابات الصليب الأحمر يخبرون عن “دورانهم” ساعات وساعات بمريض بحاجة ماسة الى سرير. نحن أمام مشكلة هائلة. والإقفال العام مسؤولية المجتمع الإنساني.

 

الوضع أخطر بكثير مما نظن جميعنا. فلنقرع معاً وبقوة جرس الإنذار.

 

اللقاح آت. وزير الصحة وعدنا به قريباً جداً فهل نصدق؟ هل هناك لقاح ما قطع المرحلة الثالثة، مرحلة التجارب، بنجاح وهو في طريقه إلينا؟

 

لا يوجد أي لقاح تمّت الموافقة عليه في العالم من قبل منظمة الصحة العالمية حتى هذه اللحظة. حتى اللقاح الروسي الذي قيل أنه يمضي قدماً لم ينلْ بعد موافقة منظمة الصحة العالمية. لذا “بدنا نطوّل بالنا”، تقول سلامة. وتضيف: “لا يمكن حرق المراحل في موضوع اللقاحات وإلا “فتنا بالحيط” وفي العجلة الندامة. فلننتظر كي نتأكد من فعالية وأمان أي لقاح يقدم إلينا قبل اعتماده. وليتمهل وزير الصحة في هذا الموضوع وليتركهم “برّا” يجربون بدل أن “يجربوا بنا”. أدرك تماماً أن الوضع صعب للغاية لكنني اقول، بصفتي الصيدلانية، أن لا شيء يبرر استخدام شيء غير مجرّب بطريقة كافية ووافية”. سؤالٌ يُسأل: علامَ يتكل وزير الصحة بالوعد الذي أعطانا إياه؟ وفي أي إطار يُدرج وعده؟ تجيب أستاذة علم الوبائيات: “لا أعرف علامَ اتّكل في كلامه وذلك قبل الإنتهاء من التجارب. ربما أراد إعطاء الناس أملاً وربما وعده سياسي وليس علمياً. إسألوه”.

 

نسأل “معاليه” أم نسأل من يعرفون “معاليه”؟

 

يبدو أن وزير الصحة العامة في لبنان سارع الى الوعد بما لا يملك قبل أن يفقد لقب معالي وزير الصحة ويصل اللقاح في زمن آخر، مع وزير آخر، فيأخذ الخلف الـ”رهجة” والثناء وهو يريدهما لنفسه. بأي حال، يبدو وزير الصحة العامة حمد حسن، كمن ملأ السطل حليباً في البدايات ثم “لبطه” مرة واحدة.

 

الوضع خطير. يفترض بالدولة، كل الدولة، أن تأخذ قراراً حاسماً اليوم بالإقفال العام وذلك قبل أن نصل الى لحظة نقول فيها كلنا “لو” عندما لا يعود ينفع ذلك!

 

ننتظر اللقاح على جمر، لكن، يجب عدم القبول بأن يجربوا لقاح كوفيد 19 علينا وهو لا يزال قيد التجربة. وإذا قبلنا بذلك، فيفترض أن نكون عالمين مدركين للأمر وتداعياته الممكنة. يفترض أن يسألونا قبل أن يخبرونا عن اللقاح الشافي: هل تقبلون بلقاح ما زال قيد التجارب؟ والتجارب يجب أن تكون على أشخاص بصحة “عال العال” لا على المرضى والضعفاء. فليحترموا القواعد الأخلاقية قبل أن يقدموا لنا أي لقاح مجهول النتائج. ويجب ألاّ يغيب عن بال أحد هنا أن هناك سبقاً وأسراراً وأموالاً كثيرة تُغدق في هذا المجال، وكلما زاد المال زاد التنافس وغض الطرف عن قواعد الأخلاقيات الإنسانية.

 

“خلينا ننطر” قبل الخضوع الى اي لقاح قيد التجربة و”خلينا نقفل البلد”. فالوضع أخطر بكثير مما يظن كثيرون.