Site icon IMLebanon

تكسير رأس تركيا  

 

دونالد ترامب أعلن الحرب على تركيا، «الحرب الإقتصادية» والحرب على العملة الوطنيّة أخطر بكثير من حروب المدافع، على العكس هذه مفاعيلها أسرع بكثير وأضمن وتفتح الباب لزعزعة الأمن وهزّ استقرار أي دولة، ولا نظنّ أنّه من المفيد في هذه اللحظة التركيّة العصيبة ولا من المجدي أن يلجأ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ـ الذي لم يهنأ بتحويل النظام في تركيا إلى نظام رئاسي ـ أن يستمرّ في سياسة الخطابات والاتهامات، ما يحدث لليرة التركيّة كفيلٌ بتدمير اقتصاد بلاده، خصوصاً أنّه لا يزال في مرحلة دعوات واتهامات لن توصله إلى مكان!

 

الثمانين مليون مواطن تركي إن استمرّ تدهور وضع الليرة التركيّة سيكونون مشغولين في التفكير في تفاقم أزماتهم المعيشيّة، وسينجم عن هذا أزمات تنذر بانفجارٍ اجتماعي، هذه الأزمة المفتعلة سببها «عنادان»الأول أردوغاني والثاني ترامبي، من المؤسف أن يكون استقرار وعيش الشعوب لعبة، ومن المؤسف أنّ رجب طيب أردوغان لا يقلّ عناداً عن دونالد ترامب، وأنّه كان بإمكانه أن يتفرّغ لتنفيذ مشاريعه الاقتصادية العملاقة التي وعد بها الشعب التركي خلال حملته الانتخابيّة بدلاً من الدّخول في حرب اقتصاديّة خاسرة في مواجهة رجلٍ مجنون كدونالد ترامب!

للمفارقة أنّ القس الاميركي أندرو برانسون يعيش في تركيا منذ 23 عاماً في مدينة أزمير ذات الكثافة المسيحيّة الأرثوذكسية التركية، ويرعى كنيسة إنجيلية صغيرة هناك يبلغ عدد أتباعها 25 شخصاً فقط، بالطبع لافتٌ جداً عدد أتباع كنيسته التي لم تستقطب إلا 25 إنجيلياً، وهذا وحده مدعاة لإثارة شكوك كثيرة حول الرّجل، ولكن لماذا تفجير هذه القضيّة خصوصاً أن عمرها عامان من عمر محاولة الانقلاب على أردوغان في العام 2016، وحتى لو كان هذا القس ضالعاً ـ كما تتهمه تركيا ـ في ممارسة نشاطات مؤيدة للداعية فتح الله غولن (المقيم في أميركا) وبتأييد حزب العمال الكردستاني كان يقتضي العقل والمنطق وبدلاً من إطلاق سراحه ثمّ وضعه في الإقامة الجبريّة أن يتمّ إبعاده إلى أميركا ومنعه من دخول تركيا طوال حياته، بدلاً من تعريض الاقتصاد التركي لهزّة كبرى تعصف به.

بصرف النظر عن حديث «السيادة» التركيّة، كان الرئيس التركي يعلم بأنّ عقوبات أميركية قاسية ستستهدف بلاده، فأيّهما أولى وأجدى؟ تفويت الفرصة على دونالد ترامب ومنعه من استهداف الاقتصاد التركي، أم ترك هذا الاقتصاد يرزح تحت وطأة عقوبات ثقيلة؟ خصوصاً أنّ قضية القسّ برانسون منظورة أمام القضاء التركي، والجنونة الترامبيّة جاءت بين جلستين قضائيّتيْن واحدة في 25 تموز الماضي وضعته رهن الإقامة الجبرية، وجلسة ثانية للنّظر في القضية في تشرين الأول المقبل، هل تصمد الليرة التركيّة الآخذة في الانهيار حتى تشرين الأول المقبل، نشكّ في ذلك؟

جنون دونالد ترامب، مفهوم، لكن ما ليس مفهوماً هو «عناد» رجب طيّب أردوغان ومواقفه الصاخبة التي تنتهي إلى التراجع عنها دائماً، منذ سفينة مرمرة واستعراض فكّ الحصار عن غزّة ثمّ هجومه الاستعراضي على شيمون بيريز في منتدى دافوس، والتي انتهت بعد كل «بهوراته»إلى التصالح مع إسرائيل وإعادة تطبيق العلاقات معها، ومواقف أردوغان المعلنة خلال الحرب في سوريا مخيّبة للآمال كلّ العناوين الصارخة التي رفعها سقطت من دون أن يحرّك ساكناً، وآخر مواقفه هذه كان تهديداته التي أطلقها بشأن القدس قبيل إعلانها عاصمة إسرائيل!

ما هو مؤكّد، أنّ القس الأميركي سترفع عنه الإقامة الجبرية مقرونة بالعودة إلى بلاده، فهل يستحقّ هذا الملفّ كل هذا الضجيج وهذه الانهيارات في لحظة يعوّل عليها كثيرون عام 2023 بعد خمس سنوات مع انتهاء مفاعيل معاهدة لوزان التي دمّرت إمبراطوريّة عمرها ستة قرون، وألغت «الخلافة الإسلامية» ومسحتها عن وجه الأرض؟ من المؤسف أن أردوغان استعدى كلّ العرب فلم يبقَ معه إلا قطر، ومن المؤلم أن نرى ما تتعرّض له تركيا ـ بصرف النّظر عن أردوغان ـ فيما كثير من العرب يتفرّجون ويسرّون الشماتة بها!