غادر الحريري كما حضر بسرعة وكما كانت التوقعات تحتم مجيئه قبل 14 شباط فان التوقعات نفسها كانت تؤكد مغادرته بعد جلسة 2 آذار التي لن تنتج رئيساً يريده سعد الحريري، لكن المفارقة اتت بسيطة بين العودة والمغادرة فالحريري حضر بخطاب تصعيدي ميز اقامته اللبنانية ولكنه غادر بخطاب اقل تصعيداً بعد وقت لاحق. حصيلة عودته الى لبنان التي دامت اثنتين وعشرين يوماً تختصر بالمشهد والصورة التالية ، تصعيد الحريري عند الوصول ضد حزب الله وايران اعقبها توتر في الشارع كاد يتحول الى مواجهات بين المستقبل وحزب الله، وطلاق مع زعيم معراب شبه نهائي ورسمي واستقالة ابرز القيادات المستقبلية الوزير أشرف ريفي من الحكومة.
صحيح ان الحريري حرص على لملمة بيته المستقبلي والآذاري وحاول ان يشد العصب السني مجدداً حوله لكنه نجح في بعض الاحيان وفشل في احيان اخرى بحسب مصادر متابعة، فقد استطاع الحريري ان يخطب في جمهور 14 آذار وان يعيد احياء عصب هذا الجمهور الميت منذ فترة، وصالح زعيم المستقبل قيادات سنية كان متخاصماً معها في طرابلس والبقاع ذات حضور وعصب سني من اجل الانتخابات البلدية، وتنقل في المناطق من طرابلس الى زحلة لتثبيت تحالفات ذات طابع بلدي، لكنه لم يوفق في المحافظة على قيادات في المستقبل لها حجمها التمثيلي فحصل الاستغناء والتخلي عن وزير العدل الذي كان اشرس المستقبليين غير المتهاونين في ملفات 14 آذار، وكرس معادلة الافتراق عن الحليف المسيحي في معراب الذي اهانه الحريري في مزحة سمجة في احتفال «البيال» قبل ان يصدر تعميماً لقيادات المستقبل بعدم التوجه الى معراب وقبل ان ينتقل الى زحلة مكرساً ثنائية «سامي وسعد بدلاً عن سعد وسمير». وهكذا بدل ان يصلحها الحريري «كسرها» لبنانياً لكنه لا يتحمل مسؤولية فشله حيث ان الحريري فوجىء بتصعيد المملكة في وجه اللبنانيين وراح ضحية هذا التصعيد السعودي الذي جاء بحسابات خاصة للمملكة.
في عودته خيبة اخرى ونكسة حصلت للحريري تمثلت بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، تضيف المصادر، فالملف الرئاسي بقي عالقاً، وشارك الحريري في جلسة 2 آذار لانتخاب الرئيس الذي رشحه فيما غاب المرشح المفترض عن الجلسة وضغط الحريري وحاول في الجلسة لكن مرشحه لم يحضر والتزم فرنجية مجدداً بقرار حليفه في الضاحية لا بل ذهب فرنجية عندما اشتدت الهجمة على حزب الله الى الاصطفاف مجدداً حيث يجب بعد تصنيف حزب الله خليجياً بالارهابي.
الحوار وحده بقي مستمراً ولو بوتيرة متراجعة الى الوراء وتقتصر على جلسة رفع العتب بين المستقبل وحزب الله، مع العلم ان انجاز الحوار واستمراره يعود الى طلب رئيس المجلس والضغوط التي مارسها لتنفيس الاحتقان المذهبي الذي كبر من وراء التصعيد المستقبلي. وباختصار تؤكد المصادر ان عودة الحريري كان يمكن ان تكون افضل وتنتج تحسناً وتطوراً في الاحداث لكن تصعيد السعودية والحرب التي فتحتها بدون هوادة على حزب الله وسحب الهبة المالية العسكرية للجيش اربكت الحريري في خطواته فتعثر عشرات المرات لبنانياً ولم تخدم مشروع الحريري بتعويم نفسه داخلياً لأن حرمان المؤسسة العسكرية من المساعدة العسكرية صب لمصلحة فريق 8 آذار فيما كان المقصود تحميل حزب الله ومكونات هذا الفريق وزر حرمان لبنان من السلاح الفرنسي المدفوع سعودياً.
اما وقد غادر الحريري وقد بدأت الماكينة الاعلامية القريبة منه تروج بان عودته لن تطول وبان عودته قبل جلسة 23 آذار ، فان الأرجح وفق المصادران الحريري الذي اصطدم بالحائط السعودي والتصعيد الذي مارسه سوف يحسب الف حساب قبل ان يصعد الى الطائرة المتوجهة الى بيروت هذه المرة، وقبل ان تحصل التسوية الإقليمية وتنجلي صورة الصراع السعودي والإيراني ومستحقاتها لبنانياً، والارجح ان الحريري لن يعود في المدى المنظور، فلا حاجة للقول ان الحريري تمنى لو انه لم يعد في مثل هذه الظروف، وان الحريري كان مربكاً لأنه خطط عودته الى السراي ولانتخاب فرنجية رئيساً لكن التصعيد السعودي نسف مشروعه، وغير وجهة السفينة السعودية. والحريري اذا قرر العودة هذه المرة فالمطلوب قبل هذه العودة ان تتوفر الخطة البديلة للانتخابات الرئاسية التي يحكى ان العمل عليها انطلق بين قريطم وكليمانصو وعين التينة.